الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص107
ويتفاضلان كيلا ، والتفاضل فيه محرم ، فلو اعتبر التساوي بالوزن لأنه أخص لاقتضى ألا يعتبر التساوي بالكيل لأنه ليس أخص .
ولأنه ربما أدى إلى التفاضل في الوزن الذي هو أخص فلما جاز اعتبار التساوي فيه بالكيل وإن جاز التفاضل في الوزن ، وجب ألا يجوز اعتبار التساوي بالوزن لجواز التفاضل في الكيل ، ولو كان مخيرا في اعتبار التساوي فيه بالكيل والوزن لكان مخيرا بين أن يجري عليه حكم التماثل فيحل أو يجري عليه حكم التفاضل فيحرم . وهذا متناقض .
وأما أبو حنيفة فالدلالة عليه ما روى طاوس عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ المكيال مكيال أهل المدينة ، والوزن وزن أهل مكة ‘ .
وليس هذا القول إخبارا منه بانفراد المدينة بالمكيال ومكة بالميزان . لأن مكيال غير المدينة وميزان غير مكة يجوز التبايع به واعتبار التماثل فيه ، فعلم أن مراده عادة أهل المدينة فيما يكيلونه وعادة أهل مكة فيما يزنونه .
ولأنه لو أحدث الناس عادة في الدراهم والدنانير أن يتبايعوها عددا لم يجز أن يكون العدد معتبرا في بعضها ببعض اعتبارا بما كانت عليه في الحجاز من قبل .
وكذا الأربعة التي قد ورد فيها النص ، لو خالف الناس فيها العادة لم يجز أن يكون الحادث رافعا لسالف العادة فوجب أن يكون ما سوى ذلك معتبرا في تماثله بسالف العادة .
وتحرير ذلك علة أنه جنس يحرم فيه التفاضل فوجب أن يكون اعتبار التماثل فيه بالمقدار المعهود على زمن الرسول ( ص ) كالذهب والفضة والأشياء الأربعة .
وهذه علة تعم مالكا وأبا حنيفة وفيها انفصال عما استدلا به .
إما أن يكون معروف الحال على رسول الله ( ص ) أو مجهول الحال .
فإن كان معروف الحال راعيت فيه ما عرف من حاله . فإن كان مكيلا جعلت الكيل فيه أصلا ومنعت من بيعه وزنا . وإن كان موزونا جعلت الوزن فيه أصلا ومنعت من بيعه كيلا .
فعلى هذا قد كانت الحبوب على عهده مكيلة ، والأدهان مكيلة ، والألبان مكيلة ، وكذلك التمر والزبيب وإن كان مجهول الحال أو كان من مأكل غير الحجاز راعيت فيه عرف أهل الوقت في أغلب البلاد فجعلته أصلا .
فإن كان العرف وزنا جعلت أصله الوزن ، وإن كان العرف كيلا جعلت أصله كيلا .