الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص94
الفرع أو يكون الحكم قد ثبت فيها بعلة أخرى . فإن كان قد ثبت الحكم في الأصل بمثل العلة المستنبطة منه لم يثبت الحكم في هذا الفرع .
مثاله : أن تقيس الذرة على الأرز بعلة الأكل ، والأرز قد ثبت فيه الربا فهذه العلة قياسا على البر : فإن كان هكذا لم يجز جعل هذا أصلا وكان هذا الأصل مع ما ألحق به فرعين على الأصل الأول .
فجعل الذرة والأرز فرعين على البر المنصوص عليه لوجود علة البر فيهما على سواء ، وليس جعل الأرز المقيس على البر أصلا للذرة بأولى من جعل الذرة أصلا للأرز لاستوائهما فرعا للآخر . وإن كان الحكم قد ثبت في ذلك الأصل بعلة ورد الفرع إليه بعلة أخرى مستنبطة منه غير تلك العلة فقد اختلف أصحابنا في جواز ذلك .
فقالت طائفة لا يجوز ومنعوا منه ، لأن الفرع إنما يرد إلى الأصل إذا شاركه في علة حكمه ، وعلة هذا الأصل التي ثبت بها حكمه هي علة أخرى لا توجد في الفرع الثاني وهذا مذهب من منع من القول بالعلتين .
وقالت طائفة أخرى بجواز ذلك لأن العلة التي ثبت بها الحكم في الأصل هي كالنص في أنها طريق الحكم وليس يمتنع أن يعلم بالدليل أن لعلة أخرى تأثيرا في ذلك الحكم فيرد بها بعض الفروع إليه ، وهذا مذهب من أجاز القول بالعلتين .
أحدها : النص الصريح .
والثاني : التنبيه .
والثالث : الاستنباط .
وأما النص الصريح فنحو قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) [ النور : 31 ] . ونحو قوله ( ص ) : ‘ إنما نهيتكم لأجل الدافة ‘ . فنص على العلة كما نص على الحكم . وأما التنبيه فمثل ما روي عن النبي ( ص ) أنه امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب ودخل على آخرين وعندهم هرة ، وقال : إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات .
فنبه بذلك على نجاسة الكلب لأنه ليس من الطوافين والطوافات . وفي معنى التنبيه الجواب بالفاء نحو قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] فنبه بذلك على أن علة القطع السرقة .