پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص82

والدلالة الثانية : ما روي عن النبي ( ص ) أنه نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل . والطعام اسم لكل مطعوم من بُر وغيره في اللغة والشرع . أما اللغة فكقولهم طعمت الشيء أطعمه وأطعمت فلانا كذا إذا كان الشيء مطعوما وإن لم يكن برا .

وأما الشرع فلقوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل ) [ آل عمران : 93 ] يعني كل مطعوم فأطلق عليه اسم الطعام . وقوله : ( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ) [ البقرة : 249 ] فسمى الماء مطعوما لأنه مما يطعم .

وقالت عائشة : عشنا دهرا وما لنا طعام إلا الأسودان التمر والماء . وإذا كان اسم الطعام بما وصفنا من شواهد اللغة والشرع يتناول كل مطعوم من بر وغيره . كان نهيه عن بيع الطعام بالطعام محمولا على عمومه في كل مطعوم إلا ما خص بدليل .

فإن قيل فهذا وإن كان عاما فمخصوص ببيان النبي ( ص ) الربا في الأجناس الستة .

قيل : بيان بعض ما يتناوله العموم لا يكون تخصيصا لأنه لا ينافيه . وإن شذ بعض أصحابنا فجعله تخصيصا .

والدلالة الثالثة : أن النبي ( ص ) نص على البر وهو أعلى المطعومات ، وعلى الملح وهو أدنى المطعومات فكان ذلك منه تنبيها على أن ما بينهما لاحق بأحدهما . لأنه ينص تارة على الأعلى لينبه به على الأدنى كما قال تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) فنبه به على الأدنى . وينص تارة على الأدنى لينبه على الأعلى كما قال : ( ومنهم من إن تأمنه بدينار ولا يؤده إليك ) فنبه به على الأعلى فإذا ورد النص على الأعلى والأدنى كان أوكد تنبيها على ما بينهما وأقوى شاهدا في لحوقه بأحدهما . والله أعلم .

مسألة :

قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ ولم يجز أن نقيس الوزن على الوزن من الذهب والورق لأنهما غير مأكولين ومباينان لما سواهما وهكذا قال ابن المسيب لا ربا إلا في ذهب أو ورق أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب ( قال ) وهذا صحيح ولو قسنا عليهما الوزن لزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من ورق ولا أعلم بين المسلمين اختلافا أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شيء ولا يسلم أحدهما في الآخر غير أن من الناس من كره أن يسلم دينار أو درهم في فلوس وهو عندنا جائز لأنه زكاة فيها ولا في تبرها وإنها ليست بثمن للأشياء المتلفة وإنما أنظر في التبر إلى أصله والنحاس مما لا ربا فيه وقد أجاز عدد منهم إبراهيم النخعي السلف في الفلوس