الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص75
وقال أبو حنيفة : لا يحرم الربا على المسلم من الحربي في دار الحرب سواء دخل بأمان أو بغير أمان . احتجاجا بحديث مكحول أن النبي ( ص ) قال : لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب ، ولأن أموال أهل الحرب مباحة للمسلم بغير عقد فكان أولى أن يستبيحها بعقد .
والدلالة على أن الربا في دار الحرب حرام كتحريمه في دار الإسلام ، عموم ما ذكرنا من الكتاب والسنة .
ثم من طريق المعنى والعبرة : أن كل ما كان حراما في دار الإسلام كان حراما في دار الشرك كسائر الفواحش والمعاصي ولأن كل عقد حرم بين المسلم والذمي ، حرم بين المسلم والحربي كدار الإسلام ، ولأنه عقد فاسد فوجب ألا يستباح به المعقود عليه كالنكاح .
فأما احتجاجه بحديث مكحول فهو مرسل والمراسيل عندنا ليست حجة . فلو سلم لهم لكان قوله ( ص ) ‘ لا ربا ‘ يحتمل أن يكون نفيا لتحريم الربا ويحتمل أن يكون نفيا لجواز الربا فلم يكن لهم جملة على نفي التحريم إلا ولنا حمله على نفي الجواز ثم حملنا أولى لمعاضدة العموم له ، وأما احتجاجه بأن أموالهم يجوز استباحتها بغير عقد فكان أولى أن تستباح بعقد فلا نسلم إذا كانت المسألة مفروضة في دخوله إليهم بأمان لأن أموالهم لا تستباح بغير عقد فكذا لا يستبيحها بعقد فاسد . ولو فرضت المسألة مع ارتفاع الأمان لما صح الاستدلال من وجه آخر وهو أن الحربي إذا دخل دار الإسلام جاز استباحة ماله بغير عقد ولا يجوز استباحته بعقد فاسد .
ثم نقول : ليس كل ما استبيح منهم بغير عقد جاز أن يستباح منهم بالعقد الفاسد . ألا ترى أن الفروج يجوز استباحتها منهم بالفيء من غير عقد ولا يجوز استباحتها بعقد فاسد ، فكذا الأموال وإن جاز أن تستباح منهم بغير عقد لم يجز أن تستباح بالعقد الفاسد . والله أعلم .