پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص74

( فمن جاءه موعظة من ربه ) يعني القرآن ( فانتهى ) ( فله ما سلف ) يعني ما أكل من الربا . وقال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) [ البقرة : 278 ] يعني ما لم يقبض من الربا إذا أسلموا عليه تركوه ، وما قبضوه قبل الإسلام لم يلزمهم أن يردوه . ثم توعد على ذلك لتوكيد الزجر فقال : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ) يعني ما دفعتموه ( لا تَظلمون ولا تُظلمون ) [ البقرة : 279 ] ، بأن تمنعوا ( رؤوس أموالكم ) ثم قال تيسيرا على خلقه : ( وإن كان ) – من قد أربيتموه – ( ذو عسرة ) برأس المال ( فنظرة إلى ميسرة ) [ البقرة : 280 ] يعني إلى وقت اليسار . وهذه آخر آية نزلت من القرآن على ما روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : آخر ما نزل من القرآن آية الربا فإن نبي الله ( ص ) قبض قبل أن يفسرها فدعوا الربا والريبة .

وأما السنة فما روي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : لعن رسول الله ( ص ) آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه .

وروي عن النبي ( ص ) أنه قال في خطبة الوداع : ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون . فأول ربا أضعه ربا عمي العباس ، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع وأول دم أضعه دم الحارث بن عبد المطلب .

ثم قد أجمع المسلمون على تحريم الربا وإن اختلفوا في فروعه وكيفية تحريمه حتى قيل إن الله تعالى ما أحل الزنا ولا الربا في شريعة قط ، وهو معنى قوله : ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ) [ النساء : 161 ] يعني : في الكتب السالفة .

فصل :

فإذا ثبت تحريم الربا بما ذكرنا من الكتاب والسنة والإجماع فقد اختلف أصحابنا فيما جاء به الكتاب من تحريم الربا على وجهين :

أحدهما : أنه مجمل فسرته السنة . وإن ما جاءت به سنة رسول الله ( ص ) فإنما هو تفسير لما تضمنه مجمل كتاب الله عز وجل من الربا نقدا أو نساء .

والوجه الثاني : أن تحريم الربا من كتاب الله تعالى إنما يتناول معهود الجاهلية من الربا في النساء وطلب الفضل بزيادة الأجل ثم وردت سنة رسول الله ( ص ) بزيادة الربا في النقد فاقترنت بما تضمنه التنزيل ، وإلى هذا كان يذهب أبو حامد المروزي .