الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص64
فلو قال المشتري : لست أرد المبيع إلا بعد استرجاع الثمن ، وقال البائع : لست أرد الثمن إلا بعد استرجاع المبيع ، لم يكن لواحد منهما حبس شيء مما بيده ، ووجب لمن بدأ بالمطالبة أن يسترجع ما بيد صاحبه ثم يرد عليه ما بيده .
والفرق بين هذا ، حيث لم يكن لواحد منهما حبس ما بيده على استرجاع ما بيد صاحبه ، وبين أن يتمانعا القبض مع صحة العقد ، فيقول البائع : لا أسلم المبيع إلا بعد قبض الثمن ، ويقول المشتري : لا أدفع الثمن إلا بعد قبض المبيع ، فيكون لكل واحد منهما حبس ما بيده على قبض ما بيد صاحبه :
إن فسخ البيع قد رفع حكم العقد ، فكان التسليم لأجل اليد ، لا بالعقد ، واليد توجب الرد ، وليس كذلك إذا تمانعا مع بقاء العقد ، لأن التسليم مستحق بالعقد ، والعقد وإن أوجب عليه تسليم ما بيده ، فقد أوجب له قبض ما في مقابلته ، فجاز أن يكون أحدهما محبوسا على قبض الآخر له كما في الموجبين .
أحدهما : أن يكون تلفه قبل الفسخ .
والثاني أن يكون بعد الفسخ .
فإن كان تلفه قبل الفسخ في مدة الخيار ، فلا يخلو حال الخيار من أحد أمرين :
إما أن يكون خيار المجلس ، أو خيار الشرط .
وإن كان خيار المجلس ، فهو مضمون على المشتري بالقيمة دون الثمن على الأقاويل كلها ، لا يختلف فيه المذهب ، وسواء كان مما له مثل كالحنطة والشعير ، أو مما لا مثل له كالثياب والعبيد ، لأن ما له مثل ، إنما يضمن بالمثل دون القيمة إذا لم يكن مضمونا على وجه المعاوضة كالغصب ، فأما إذا كان مضمونا على وجه المعاوضة كالمقبوض للسوم أو بعقد بيع فاسد ، أو مفسوخ ، فإنه يضمن بالقيمة دون المثل .
وإن كان خيار شرط نُظِر .
فإن كان الخيار لهما أو للبائع وحده ، فهو مضمون على المشتري بالقيمة دون الثمن ، لا يختلف .
وإن كان الخيار للمشتري وحده دون البائع ، فإن قيل : لا يملك إلا بالعقد وتقضي الخيار ، أو هو موقوف مراع ، فهو ضامن له بالقيمة دون الثمن .
وإن قيل : إنه قد ملك بنفس العقد ، فعلى وجهين :
أحدهما : – وهو ظاهر نصه في البيوع – أنه ضامن له بالقيمة دون الثمن ، لأن البيع لم يتم .