الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص49
وهو إذا قيل : إنه لا يملك بالعقد والافتراق ، أو أن الملك موقوف مراعى ؛ لأنه تلفظ بعتق ما لا يملك .
فأما على القول الثالث : وهو أن المشتري يملك بنفس العقد ، فلا يخلو حال المشتري المعتق من أحد أمرين :
إما أن يكون موسرا ، أو معسرا : فإن كان المشتري معسرا ، فعتقه باطل بوفاق أصحابنا كافة ، لأن للبائع فسخ البيع ؛ لحفظ الرقبة ، وطلب الحظ ، فلم يجز أن يبطل المشتري بعتقه ما يستحقه البائع بالفسخ .
وإن كان المشتري موسرا ، فقد كان أبو العباس بن سريج يخرج نفوذ عتقه على وجهين من اختلاف قولي الشافعي في عتق الراهن لعبده المرهون :
أحد الوجهين : أن عتقه باطل ؛ لحجر البائع عليه .
والثاني : أن عتقه جائز ؛ لأن العتق لما سرى إلى غير الملك في حصة الشريك ، كان وقوعه في الملك ورفعه لحجر البائع أولى .
وكان أبو الطيب بن سلمة ، وأبو إسحاق المروزي ، وأبو علي ابن أبي هريرة ، ينكرون تخريج أبي العباس ، ويبطلون العتق وجها واحدا ، لأن المشتري وإن كان على هذا القول مالكا ، فخيار البائع يوقع عليه حجرا والمحجور عليه في ماله لا ينفذ عتقه كالسفيه .
والفرق بين هذا وبين الراهن حيث ينفذ عتقه في عبده المرهون على أحد القولين وإن كان عليه حجر للمرتهن ، أن حق المرتهن متعلق بذمة الراهن ، والرهن وثيقة فيه ، فضعف حجره عليه ، وليس كذلك البائع .
فإن قيل : ببطلان عتق المشتري – وهو الصحيح – استرجع البائع عبده بالفسخ ، ولم يلزم المشتري قيمة ولا ثمن ، لبطلان العتق .
وإن قيل : بنفوذ عتق المشتري ، فلا بد للبائع على العبد ، لنفوذ عتقه ، وصحة حريته . وعلى المشتري ضمانه للبائع ، وفيما يضمنه به وجهان :
أحدهما : أنه يضمنه بالثمن المسمى ، ويصير عتق المشتري مبطلا لفسخ البائع .
والوجه الثاني : – وهو أصح – يضمنه بالقيمة ؛ لأن بقاء الخيار ، يثبت فسخ البائع ، وفسخ البائع يوجب رفع العقد والثمن المسمى فيه ، وإذا بطل العقد ، صار المشتري مستهلكا للعبد بغير عقد ، فوجب أن يضمنه بقيمته كسائر المتلفات .
فهذا حكم عتق المشتري .