الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص46
وقد يكون بما يقوم مقام قوله : قد فسخت وهو أن يقول البائع في المجلس والثمن مؤجل : لست أمضي البيع إلا بتعجيل الثمن ، ويقول المشتري : لست أعجّل الثمن ، فيكون ذلك فسخا للعقد ويقوم مقام قوله : قد فسخت ، وكذلك نظائر ذلك وأشباهه .
فلو قال المشتري والثمن ألف درهم صحاح : لست أختاره إلا بألف غُلة ، فقال البائع : لست أمضيه بالغُلة ، كان فسخا ، وإن لم يفترقا وأمضاه البائع بالألف الغُلة كان ذلك استئناف عقد غير الأول وكان لهما الخيار ما لم يفترقا ، أو يختارا الإمضاء .
ومما يكون للبيع ويقوم مقام قوله : قد فسخت ، أن يتلف المبيع قبل الافتراق ، فيكون فسخا للعقد لتلفه قبل انبرام العقد .
فلو قبض المشتري السلعة ، ثم تلفت في يده قبل الافتراق ، بطل العقد ، وكانت السلعة مضمونة على المشتري بالقيمة دون الثمن ، لفساد العقد بالتلف ، ووجوب الضمان باليد .
ولو قبضها المشتري ، ثم أودعها البائع في المجلس ، ثم تلفت في يد البائع قبل الافتراق ، بطل البيع ، وكانت مضمونة على المشتري بالقيمة ، ولا تكون مضمونة على البائع ؛ لأنها كانت في يده وديعة للمشتري .
ومما يكون فسخا للبيع أن يؤجره أو يوصي به ، أو يعرضه على البيع من غيره أو يقفه ، أو يكون عبدا فيعتقه ، أو ثوبا فيلبسه ، إلى أشباه ذلك .
فلو اختلفا بعد الافتراق ، فقال أحدهما : افترقنا عن فسخ ، وقال الآخر : افترقنا عن تراض : ففيه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أن قول من ادعى الافتراق عن تراض ؛ لأن دعواه تتضمن إنفاذ البيع ، وهو الظاهر من حال العقد .
والوجه الثاني : أن القول قول من ادعى الافتراق عن فسخ ؛ لأن دعواه تتضمن فسخ البيع .
وإذا اختلف المتبايعان في إثبات العقد وإنكاره ، كان القول قول منكره دون مثبته ، فكذلك إذا كان الاختلاف في إنفاذه وفسخه .