الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص44
إما بالافتراق . وإما بالتخيير القائم في قطع الخيار مقام الافتراق .
فأما حد الافتراق ، فقد ورد الشرع به مطلقا ، وما أطلقه الشرع ولم يكن محدودا في اللغة كان الرجوع في حده إلى العرف كالقبض في المبيعات ، والإحراز في المسروقات ، فإذا فارق أحدهما صاحبه إلى حيث ينسب في العرف أنه مفارق له ، انقطع الخيار ولزم البيع ، مثال ذلك إن تبايعا في دار فيخرج أحدهما منها ، فيكون هذا افتراقا سواء صغرت الدار أو كبرت ، بعد الخارج منها أم قرب .
فأما إن لم يخرج منها ، ولكن قام من أحد جانبيها الذي تبايعا فيه إلى الجانب الآخر ، نظر : فإن كانت الدار واسعة ، كان ذلك تفرقا ، وإن كانت الدار صغيرة ، لم يقع التفرق إلا بالخروج منها أو الصعود إلى علوها .
وكذا السفينة إذا تبايعا فيها ؛ فإن كانت صغيرة ، لم يقع التفرق إلا بخروج أحدهما منها إلى الأرض ، أو إلى سفينة غيرها ، أو إلى الماء . وإن كانت السفينة كبيرة وقع الافتراق بقيام أحدهما من أحد جانبيها الذي تبايعا فيه إلى الجانب الآخر ، كأنهما تبايعا في الصدر ، ثم قام أحدهما إلى المؤخر ، أو تبايعا في المؤخر ثم قام أحدهما إلى الصدر .
فأما إن تبايعا في سوق كبيرة ، فقد قال الشافعي : فالتفرق : أن يولي أحدهما ظهره ، قال أصحابنا : أراد بذلك أن يولي ظهره ويمشي قليلا حتى يزايل موضع العقد في العرف ، كما كان يفعل عبد الله بن عمر في بيوعه .
فأما إذا كانا في موضع تبايعهما ومجلس عقدهما ، فبني بينهما حائط ، لم يكن ذلك تفرقا ، لأن الحائط المبني حائل ، والحائل لا يفرق بينهما ، كما لو حال بينهما رجل بوقوفه .
فأما إذا قاما جميعا عن مجلس تبايعهما ، ومشيا مجتمعين ، ولم يفترقا بأبدانهما ، فهما على خيارهما وإن طال الزمان وبعد . وحكي عن عبد الله بن الحسن العنبري : أن خيارهما قد انقطع بمفارقة مجلسهما .
وحديث أبي برزة الأسلمي حيث أثبت الخيار للمتبايعين وقد غدوا عليه ، وقوله لهما : ما أراكما تفرقتما عن رضا منكما ببيع دليل على أنه قد عقل معنى الافتراق عن رسول الله ( ص ) . فهذا الكلام في افتراق المتبايعين .