الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص38
وفرق في الأصول بين ما ثبت بالعقد . فيصح فيه الجهالة ، وما ثبت بالشرط ، فلا يصح فيه الجهالة ، ألا ترى أن خيار العيب لما ثبت بالعقد جاز أن يكون مجهولا ، وخيار المدة لما ثبت بالشرط لم يجز أن يكون مجهولا ، وكذا القبض إذا استحق بإطلاق العقد جاز أن يكون مجهول الوقت وإذا كان مستحقا بالشرط لم يجز أن يكون مجهول الوقت .
وأما الجواب عن قولهم : إن الافتراق يؤثر في فسخ البيع لا في لزومه كالصرف قبل القبض :
فهو أن هذه دعوى غير مسلمة ، لأن الافتراق في الصرف مؤثر في لزومه كالبيع ، وليس يقع الفسخ في الصرف بالافتراق ، وإنما يقع بعدم القبض قبل الافتراق ، فإذا تقابضا ، صح ، ولم يلزم إلا بالافتراق .
وأما الجواب عن قولهم : لما لزم البيع بتراضيهما بعد العقد ، فلأن يكون لازما بتراضيهما حين العقد أولى :
فهو أن الرضا بالبيع بعد العقد يتنوع نوعين :
نوع يكون بالصمت ، ونوع يكون بالنطق : فأما الرضا بالصمت بعد العقد فلا يلزم به البيع ، فكذا الرضا بالصمت حين العقد لا يلزم به البيع . وأما الرضا بالنطق بعد البيع ، فهو أن يقول : قد اخترت إمضاء البيع ، فهذا يلزم به البيع .
ومثله بالنطق في حال البيع أن يشترط في العقد سقوط خيار المجلس ، فهذا قد اختلف أصحابنا فيه هل يلزم به البيع ويصح معه العقد أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : يصح معه العقد ، لأن غرر الخيار يرتفع به ، ويلزم به البيع ، لأنه موجب شرطه ، ولا يثبت في البيع خيار المجلس .
وقائل هذا الوجه من أصحابنا تأوله من كلام الشافعي في كتاب الأيمان والنذور .
فعلى هذا قد استوى حكم هذا الرضا في لزوم البيع بعد العقد وقبله .
والوجه الثاني : يصح معه العقد ، لكن لا يلزم به البيع ، ولا يسقط معه خيار المجلس ، وإن كان مشروطا ، لأنه من موجب العقد فلم يسقط بالشرط ، كالولاء في العتق والرجعة في الطلاق .
فعلى هذا يكون هذا النوع من الرضا يلزم به البيع إذا كان بعد العقد ، ولا يلزم به البيع إذا كان مع العقد .
والفرق بينهما أنه بعد العقد يتضمن إبطال خيار ثابت ، فصح إبطاله بعد ثبوته . وحين العقد يتضمن إبطال خيار غير ثابت ، فلم يصح إبطاله قبل ثبوته ، كاستحقاق الشفعة لما بطل بعد البيع للرضا به بعد ثبوته ، لم يبطل حال البيع مع الرضا به ، لعدم ثبوته .