الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص34
يذهبان إلى أن المراد به التفرق بالأبدان ، لأن ابن عمر كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع ، وأبو برزة قال للمتبايعين حين باتا ليلة ثم غدوا عليه قال : ما أراكما تفرقتما عن رضا منكما ببيع اقتضى أن يكون هو المراد بالخبر دون المعنى الآخر . وهذه دلالة الشافعي رضي الله عنه .
فإن قيل : فقد روى أبو هريرة عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فأريقوه ، واغسلوه سبعا ‘ ثم أفتى أبو هريرة رضي الله عنه بالثلاث ، فلم تصيروا إلى قوله ، واستعملتم الخبر على ظاهره .
قيل : نحن لا نقبل قول الراوي في التخصيص ، ولا في النسخ ، ولا في الإسقاط ، وإنما نقبله في تفسير أحد محتمليه إذا أجمعوا على أن المراد أحدهما .
وقوله : ‘ اغسلوه سبعا ‘ يقتضي وجوب الغسل سبعا ، وفتوى أبي هريرة بالثلاث إسقاط لباقي السبع ، فلم يقبل ، وكما روى ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ من بدل دينه فاقتلوه ‘ وكان يذهب إلى أن المرتدة لا تقتل .
فلم نقض بمذهبه على روايته ، لأن فيه تخصيصا ، وقول الراوي لا يقبل في التخصيص .
على أن أبا علي بن أبي هريرة قال : أحمله على الأمرين معا ، فأحمله على التفرق بالكلام ، وعلى التفرق بالأبدان ، فأجعل لهما في الحالين الخيار بالخبر ، وهذا صحيح لولا أن الإجماع منعقد على أن المراد به أحدهما .
فأما الانفصال عن قولهم : إن معهود الافتراق إنما هو بالكلام دون الأبدان فمن وجهين :
أحدهما : أن هذا تأويل مستحدث يدفعه إجماع من سلف ، لأن كل من تقدم من السلف حمله على التفرق بالأبدان ، حتى أن مالكا روى الخبر ، فقيل له : فلم خالفته ؟ قال : وجدت عمل بلدنا بخلافه ، وروي لأبي حنيفة فقال : أرأيت لو كانا في سفينة فحصل التسليم منهما ، إن المراد به التفرق بالأبدان ، ولم يتنازعا في تأويله ، وإنما ذكرا شبهة واهية في ترك العمل به .
والثاني : أنه لو يجتمع السلف على أن المراد به التفرق بالأبدان لكان هو حقيقة التفرق في اللسان ، والشرع ، وإن كان ربما استعمل في التفرق بالكلام استعارة ومجازا ، وقد حكى الرياشي ذلك عن الأصمعي وشاهد ذلك أظهر من أن يذكر .