الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص26
واستدل على ذلك :
بأن الرؤية لما كانت شرطا في بيوع الأعيان ، وجب أن تقترن بالعقد ، كالصفة في بيع السلم .
وهذا المذهب شاذ الإعتقاد واضح الفساد ؛ لأن الرؤية إنما أريدت ليصير المبيع معلوما ، ولا يكون مجهولا ، وهذا المعنى موجود في الرؤية المتقدمة على العقد ، كوجوده في الرؤية المقترنة بالعقد ، وليس كذلك الصفة . فهذا حكم الرؤية المتقدمة إذا كانت المدة قريبة .
فأما إذا كانت مدة الرؤية بعيدة ، فلا يخلو حال المشتري من أحد أمرين : إما أن يكون ذاكرا لأوصاف المبيع أو غير ذاكر : فإن كان غير ذاكر لأوصاف المبيع لبعد العهد وطول المدة ، فهذا في حكم من لم يره ، فإن ابتاعه على غير خيار الرؤية ، لم يجز .
وإن ابتاعه بخيار الرؤية ، كان على قولين ، وإن كان ذاكرا لأوصاف المبيع ، لم تخل حاله من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون مما لا يتغير في العادة ، كالحديد ، والنحاس فبيعه جائز ، فإن رأى فيه بعد العقد عيبا ، فله الخيار .
والقسم الثاني : أن يكون مما يتغير فلا يبقى مع طول المدة ، كالفواكه الرطبة ، والطبائخ .
فينظر في حاله حين العقد فإن كان قد مضى عليه من المدة لا يبقى فيها كان بيعه باطلا وإن كان قد مضى عليه من المدة ما يعلم بقاؤه فيها فبيعه جائز .
وإن كان قد مضى من المدة ما يجوز أن يبقى فيها ويجوز أن يتلف ، فبيعه باطل ؛ لأنه عقد على عين لا يعلم بقاؤها .
وفيه وجه آخر : أن بيعه جائز ، لأن الأصل بقاء العين ما لم يعلم تلفها .
والقسم الثالث : أن يكون مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير كالحيوان ، ففيه قولان :
أحدهما : يجوز بيعه بالرؤية المتقدمة ، وقد نص عليه في البيوع ، لأن الأصل سلامته وبقاؤه على حاله ، وبه قال أكثر أصحابنا .
والقول الثاني : أن بيعه لا يجوز ، وقد أشار إليه الشافعي في كتاب الغصب واختاره المزني ؛ لأنه متردد بين سلامة وعطب .
والقول الأول أصح ، وعليه يكون التفريع ، فإذا تبايعا ، بالرؤية المتقدمة ، ثم رآه المشتري بعد البيع على ما كان رآه من قبل ، فلا خيار له ، وإن رآه متغيرا ، فله الخيار .