الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص25
فأما قوله : مؤجلا : يعني به تأجيل تسليم المبيع ، كقوله بعتك دارا بالبصرة ، أو بغداد ، على أن أسلمها إليك بعد شهر ، فهذا باطل ، لأنه عقد على عين بشرط تأخير القبض ، وذلك غير جائز .
فإن قيل : فقبض الغائب لا بد أن يكون مؤخرا .
قيل : هو مؤخر بغير أجل محدود ، فجاز ، وليس كذلك مع الشرط ؛ لأنه قد يقدر على التسليم قبل الأجل ، فيؤخره لأجل الشرط ، وقد لا يقدر عليه عند الأجل ، فيلزم تسليم ما لا يقدر عليه بالشرط .
وأما قوله : ولا بصفة . فقد اختلف أصحابنا في تأويلها على وجهين :
أحدهما : وهو تأويل البصريين : أن يصف العين الغائبة بجميع صفاتها ، فلا يجوز ، لأنها تصير على قولهم في معنى السلم في الأعيان .
والثاني : تأويل البغداديين : أن يجعل بيع العين الغائبة مضمونا في ذمته ، فلا يجوز كالسلم في الأعيان .
قال الشافعي : ويجوز بيع العين الغائبة بثمن حال ومؤجل ؛ لأن بيوع الأعيان يصح تأجيل الثمن فيها ، سواء كانت العين حاضرة أو غائبة ، لأنه بيع عين بدين ، وليس كالسلم المضمون في الذمم ، فلا يصح بيعه بمؤجل ؛ لأنه يصير في معنى بيع الدين بالدين . فهذا جملة الكلام في بيع خيار الرؤية وما يتفرع عليه ويتصل به .
وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابه : البيع باطل ، حتى تكون الرؤية مقارنة للعقد . وقال أبو سعيد الاصطخري : قلت لمن يناظر عن الأنماطي : ما يقول صاحبك في الدار إذا رآها المشتري ، وخرج إلى الباب ، واشتراها ؟ قال : لا يجوز . قلت : فإن رأى خاتما وأخذه في كفه ثم اشتراه ؟ قال : لا يجوز . قلت : فإن رأى أرضا وخرج منها إلى جانبها ثم اشتراها ؟ قال : فتوقف ، لأنه لو قال : يجوز لناقض مذهبه ، ولو قال : لا يجوز ، لما أمكن ابتياع الأرض ، فهذا قول الأنماطي ، وقلّ من تابعه على ذلك من الفقهاء .