الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص22
قيل : لأن السلم مضمون في الذمة ، وليس يختص بموضع دون غيره ، فاستوى جميع المواضع فيه ، فافتقر إلى ذكر الموضع الذي يقع القبض فيه ، وليس كذلك العين الغائبة ، لأنها غير مضمونة في الذمة ، وهي معينة قد اختصت بموضع هي فيه فلم يجز اشتراط نقلها إلى غيره ، لأنه يصير تبعا وشرطا في معنى بيع ثوب على أنه على البائع خياطته ، أو طعام أن على البائع طحنه .
هل العقد قبل الرؤية تام أم لا ؟
فإذا عقد بيع العين الغائبة على الوصف المشروط فيه .
فقد اختلف أصحابنا هل يكون العقد تاما قبل الرؤية أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أن العقد ليس بتام قبل الرؤية ، لأن تمام العقد يكون بالرضا به وقبل الرؤية لم يقع الرضا به ، فلم يكن العقد تاما ، فعلى هذا ، لو مات أحدهما بطل العقد ، ولم يقم وارثه مقامه ، لأن العقود غير اللازمة ، تبطل بالموت ، وكذلك لو جنّ أحدهما ، أو حجر عليه بسفه بطل العقد .
وعلى هذا لكل واحد من البائع والمشتري أن يفسخ العقد قبل الرؤية .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أن العقد قد تم قبل الرؤية بالبذل والقبول ، وإنما فيه خيار المجلس ما لم يتفرقا ، كسائر البيوع .
فعلى هذا لو مات أحدهما لم يبطل العقد ، وقام وارثه مقامه وكذلك لو جنّ أحدهما ، أو حجر عليه بسفه ، لم يبطل العقد وقام وليه مقامه .
وعلى هذا ليس لواحد منهما بعد الافتراق وقبل الرؤية أن يفسخ العقد .
فإذا رأى المشتري السلعة المبيعة ، فهل يثبت له خيار المجلس أو خيار العيب ؟ على وجهين :
أحدهما : يثبت له خيار المجلس – وهو قول أبي إسحاق – لأن عنده بالرؤية تم العقد . فعلى هذا له الخيار في الفسخ على التراخي ، ما لم يفارق مجلسه ، سواء وجد السلعة ناقصة عما وصفت أم لا . وله أن يشترط في المجلس خيار الثلاث ، وتأجيل الثمن ، والزيادة فيه ، والنقصان منه .
والوجه الثاني : يثبت له بالرؤية خيار العيب – وهو قول أبي علي بن أبي هريرة – لأن عنده أن بالبذل والقبول ، قد تم العقد . فعلى هذا إن وجدها على ما وصفت لم يكن له خيار ، وإن وجدها ناقصة ، كان له الخيار في الفسخ على الفور .