الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص21
أحدهما : أنه يصح أن يصفه بأقل صفاته ، لأنه قد يخرج بذلك عن الجهالة . فعلى هذا يذكر في العبد الرومي بصفة أنه خماسي أو سداسي ، وفي الثوب القطن أنه مروي أو هروي .
والوجه الثاني : أنه لا يصح حتى يصفه بأكثر صفاته ؛ ليتميز بكثرة الصفات عن غيره من الموصوفات ، فعلى هذا يذكر في العبد الرومي الخماسي قده وبدنه ، وفي الثوب القطن المروي طوله وعرضه .
فأما ذكر جميع صفاته فليست شرطا باتفاق أصحابنا ، فإن وصفه بجميع صفاته فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال البغداديون : يجوز ؛ لأنه أنفى للجهالة ، وأبلغ في التمييز .
وقال البصريون : لا يجوز ؛ لأنه يخرج عن بيوع الأعيان ، ويصير من بيوع السلم ، والسلم في الأعيان لا يجوز ، فكذلك وصف العين الغائبة بجميع صفاتها لا يجوز . فهذا حكم الصفة .
فأما ذكر موضع المبيع ، فيختلف بحسب اختلاف المبيع .
فإن كان المبيع مما لا ينقل كالأرض والعقار ، فلا بد من ذكر البلد الذي فيه ، فيقول : بعتك دارا بالبصرة أو بغداد ، لأن بذكر البلد ، يتحقق ذكر الجنس ، ويصير في جملة المعلوم .
فأما ذكر البقعة من البلد ؟ ففيه وجهان :
أحدهما : يلزم ذكرها .
والثاني : لا يلزم ذكرها ؛ لأن البقعة تجري مجري الصفة .
فأما إن كان المبيع الغائب مما ينقل ويحول كالعبد والثوب ، فلا بد من ذكر البلد الذي هو فيه ، لأن القبض يتعجل إن كان البلد قريبا ، ويتأخر إن كان البلد بعيدا ، فافتقر العقد إلى ذكره ؛ ليعلم به تعجيل القبض من تأخيره .
فأما ذكر البقعة من البلد ، فلا يلزم ، لأن البلد الواحد لا يختلف أطرافه كالبلاد المختلفة . فإذا ذكر له البلد الذي هو فيه ، فالواجب أن يسلمه إليه في ذلك البلد لا في غيره ، فإن شرط المشتري على البائع أن يسلمه إليه في البلد الذي تبايعا فيه وهو في غيره لم يجز ، وكان البيع فاسدا .
فإذا قيل : أليس لو شرط في السلم أن يسلمه في بلد بعينه جاز ، فهلا جاز مثل ذلك في العين الغائبة ؟ .