الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص19
وقد يدخل توجيه القولين فيما تقدم من الحجاجين .
فأما المزني : فإنه احتج من قول الشافعي على بطلان بيع العين الغائبة ، بشيئين :
أحدهما : أن قال : أصل قوله ومعناه : أن البيع بيعان لا ثالث لهما : صفة مضمونة ، وعين معروفة .
والثاني : أن قال : فإنه يبطل بيع الثوب يرى بعضه ، فكيف يجيز شرى ما لم ير شيئا منه قط ، ولا يدري أنه ثوب أم لا ، حتى يجعل له خيار الرؤية .
والجواب عما ذكره من الفصل الأول من وجهين :
أحدهما : أن الشافعي إنما قال : البيع بيعان لا ثالث لهما ، على القول الذي لا يجيز فيه بيع خيار الرؤية .
فأما على القول الأخير ، فقد قال في كتاب الصرف في باب بيع العروض ولا يجوز من البيوع إلا ثلاثة : بيع عين حاضرة ، وبيع عين غائبة ، فإذا رآها المشتري فله الخيار ، وصفة مضمونة ، فبطل هذا .
والثاني : أن الشافعي قصد بقوله : البيع بيعان ، الفرق بين بيوع الصفات المضمونة في الذمم ، وبين بيوع الأعيان غير المضمونة في الذمم . وهذا ينقسم قسمين : عين حاضرة ، وعين غائبة .
وأما الفصل الثاني : في بيع الثوب يرى بعضه : فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أن الشافعي إنما أبطل بيع الثوب يرى بعضه ، على القول الذي لا يجيز فيه بيع خيار الرؤية ، فأما على القول الذي يجيزه ، فهذا البيع أجوز ، وكيف يجيز بيع ما لم ير شيئا منه ؟ ولا يجيز بيع ذلك الشيء وقد رأى بعضه ؟ هذا مما لا يتوهم على الشافعي .
فعلى هذا يسقط احتجاج المزني به .
والوجه الثاني : وهو قول كثير من أصحابنا البصريين وغيرهم أن بيع الثوب يرى بعضه لا يجوز على القولين معا .
والفرق بينه وبين العين الغائبة من وجهين :
أحدهما : أن الثوب إذا رأى بعضه اجتمع فيه حكمان مختلفان ، لأن ما رأى منه لا خيار له فيه ، وما لم ير منه له فيه الخيار ، فصارا حكمين متضادين جمعهما عقد واحد ، فبطل ، وليس كذلك إذا كان غائبا كله .
والثاني : أن بيع العين الغائبة إنما أجيز على خيار الرؤية ، للضرورة الداعية عند تعذر الرؤية ، النفع العاجل للبائع بتعجيل الثمن ، وللمشتري بالاسترخاص وليس كذلك في العين الحاضرة ؛ لأن الضرورة ليست داعية إليه ولا الرؤية متعذرة منه .