الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج5-ص13
وليس كلامنا فيما كره منها ، وإنما الكلام فيما استحب منها ، وهو ما استثناه رسول الله ( ص ) منها .
فإذا ثبت ما ذكرنا في حقيقة البيع وانتقال الملك به :
فقد ذكر الشافعي في كتاب الأم ما يلزم به البيع وما يجوز أن يفسخ به البيع . فقال : وجماع ما يجوز من كل بيع آجل وعاجل ، وما لزمه اسم بيع بوجه ، لا يلزم البائع والمشتري حتى يجتمعا أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به ولا يعقداه بأمر منهى عنه ، ولا على أمر منهى عنه ، وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع ، فإذا اجتمع هذا لزم كل واحد منهما البيع فلم يكن له رده إلا بخيار ، أو في عيب يجده ، أو شرط يشترطه ، أو خيار الرؤية – إن جاز خيار الرؤية – ومتى لم يكن هذا لم يقع البيع بين المتبايعين .
وحكى المزني عن الشافعي في جامعه الكبير : مثله سواء فأراد الشافعي بهذه الجملة أن يبين شروط العقد ، وشروط الرد .
فأما شروط العقد التي يصير بها لازما فأربعة :
أحدها : أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به حتى لا يكونا مكرهين ولا أحدهما ، لأن بيع المكره لا يصح .
والثاني : أن لا يعقداه بأمر منهى عنه يعني بذلك الأجل المجهول والشروط المبطلة للعقود ، وما ورد النهي في تحريمه من البيوع كالملامسة والمنابذة .
والثالث : أن لا يعقداه على أمر منهي عنه ، يعني بذلك الأعيان المحرمة كالخمر والخنزير ، وما لا منفعه فيه كالهوام والحشرات .
وهذه الثلاثة هي شروط في صحة العقد ، فمتى أخل بشرط منها ، فسد العقد .
والرابع : أن يفترقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع .
وهذا شرط في لزوم العقد بعد وقوع صحته .
وكان ابن المرزبان وغيره من أصحابنا يضمون إلى الأربعة شرطا خامسا : وهو أن يكون المتبايعان جائزي الأمر ، فلا يكونا ، ولا أحدهما محجورا عليه بصغر أو جنون ، أو سفه ، لأن بيع المحجور عليه باطل . وامتنع سائر أصحابنا من تخريج هذا الشرط الخامس .
وأجابوا عنه بجوابين :
أحدهما أن هذا شرط في البائع لا في البيع ، والشافعي إنما ذكر شروط البيع ، وهذا جواب البغداديين .