الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص364
سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ لا تسافر امرأةٌ مسيرة يومٍ وليلةٍ إلا مع محرمٍ ‘ ، وبرواية ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا تحجن امرأةٌ إلا مع ذي محرمٍ ‘ ؛ ولأنه سفر تقصر في مثله الصلاة ، فلم يجز لها قطعه بغير حرم كالأسفار المباحة ، ولأن حج التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالفرض ، فلما لم يجز لها الخروج في التطوع إلا مع ذي محرم ، وإن صار بالدخول فرضاً ، فكذلك إذا كان ابتداؤه فرضاً ، ودليلنا على جواز خروجها بغير محرم ، رواية أبي عبيدة عن عدي بن حاتم أن رسول الله ( ص ) قال لمرسلٍ : الظعينة تخرج من الحيرة بغير خفارٍ حتى تطوف بالكعبة ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز ويوشك الرجل سعى يبتغي أن يؤخذ فوجد ماله صدقةً فلا تقبل منه ، فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغير خفار ، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن ، حتى فتحوا كنوز كسرة ، ووالله لتكونن الثالثة ، فموضع الدليل من هذا أنه أخبر أن من استقامة الزمان أن تخرج المرأة إلى الحج بغير خفار ، ولو كان ذلك غير جائز لكان الزمان بفعله غير مستقيم ، فروي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : أحجوا هذه الذرية ، ولا تأكلوا أرزاقها وتدعوا أوباقها في أعناقها ، فأمر بالإذن للنساء في الحج وأن لا يمنعن منه ، ولم يشترط في إخراجهن ذا محرم ؛ ولأنه سفر واجب ، فوجب أن لا يكون المحرم شرطاً في قطعه ؛ ولأن كل عبادة لم يكن المحرم شرطاً في وجوبها لم يكن شرطاً في أدائها كسائر العبادات ، واستدلال الشافعي وهو أنه إذا ادعي عند الحاكم على امرأة غائبة دعوى ، فإن الحاكم يبعث إليها ليحضرها ، فإن لم يكن لها محرم إذا كانت ممن تبرز ، فإذا وجب عليها الخروج بلا محرم في حق لا يتحقق وجوبه عليها ، إذا قد يجوز أن يكون مبطلاً في الدعوى عليها ، فلأن يجب في حق يتحقق وجوبه عليها أولى ، فأما الجواب عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة فمحمول بدلالتنا على السفر المباح دون الواجب ، وأما حديث ابن عباس فمحمول وإن صح فمحمول على حج التطوع .
وأما قياسهم على التطوع فمنتقض بالهجرة كما أن التطوع قد يلزم بالدخول فيه كالهجرة ثم كان أضعف حالاً من الهجرة ، ثم المعنى فيه لو صح أنه غير واجب ، وأما قوله : إن التطوع قد يلزم بالدخول كالفرض إن كان لازما بالدخول كالفرض فهو أضعف حالاً من الفرض ، فيكون فرقاً بين الفرض والتطوع ، كفرقهم بين الهجرة والتطوع .