پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص352

وأما قياسهم على غير المحصر أنه يلزمه إيصاله إلى الحرم ، فالمعنى فيه أن غير المحصر لا يتحلل إلا في الحرم ؛ فلذلك لم يجز إلا في الحرم ، وليس كذلك المحصر .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجباً فيقضي ‘ .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، قد ذكرنا أن المحصر إذا تحلل من إحرامه بالهدي والحلاق ، فلا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الإسلام قد وجبت عليه قبل إحصاره فعليه أداؤها ، وإن وجبت عليه في العام الذي أحصر فيه لم يلزمه قضاؤها ، وقال أبو حنيفة : على المتحلل بالإحصار القضاء ، سواء كان إحرامه فرضاً أو تطوعاً ، فإن كان محرماً بحج لزمه أن يقضي حجة أو عمرة ، وإن كان قارناً قضى حجاً وعمرتين ، واستدل على وجوب القضاء برواية عكرمة قال سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري يقول : قال رسول الله ( ص ) : ‘ من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجةٌ ‘ فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا : صدق ؛ ولأن النبي ( ص ) لما أحل من عمرته بالإحصار سنة ست بالحديبية ، قضاها سنة سبع ، فسميت عمرة القضية ، وعمرة القضاء ، وعمرة القصاص ؛ ولأن عائشة رضي الله عنها لما حاضت بمكة ، قال لها النبي ( ص ) : ‘ اقضي عمرتك وأهلي بالحج ‘ ، ثم أمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ، فألزمها قضاء العمرة التي رفضتها ، وتحللت منها وكانت في حكم المحصر ؛ لأنها لم تقدر على إكمال العمرة ؛ لأجل الحيض ، ولا أمكنها المقام على العمرة إلا أن تطهر خوفاً من فوات الحج ؛ ولأنه خرج من نسكه قبل تمامه فوجب أن يلزمه القضاء ، كالفائت ، ولأن الحصر نوعان : عام ، وخاص .

فلما لزمه القضاء بالتحلل من الحصر الخاص ، وجب أن يلزمه بالتحلل من الحصر العام ، ودليلنا قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) ( البقرة : 196 ) فذكر الإحصار ، وبين حكمه وهو الهدي ، فدل أنه لا موجب له غيره ، واستدل الشافعي بأن النبي ( ص ) أحصر بالعمرة سنة ست ، وأحصر معه أصحابه وكانوا ألفاً وأربعمائة ، ثم تحللوا معه ، فلما كان في السنة المقبلة ، وهي سنة سبعٍ خرج للقضاء ، وخرج معه ناسٌ من الصحابة ، أكثر ما قيل ، سبعمائة ، فموضع الدليل من هذا ، هو أن القضاء لو كان يلزمهم لذكره النبي ( ص ) لهم ليخرج معه جميعهم ؛ لأن من أوجبه على الفور منع من التراخي ، ومن جعله على التراخي ، منع أن يجبر التأخير في ذلك العام ؛ لأن مكة كانت إذ ذاك دار شرك ، وكان القضاء في غير العام الذي قضى فيه النبي ( ص ) غير ممكن ، فلما لم يخرجوا وأقرهم النبي ( ص ) على ترك الخروج ، دل على أن القضاء غير واجب ، وروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا : لا قضاء على المحصر ، وليس لهما مخالف ، فكان إجماعاً ؛ ولأنه تحلل من نسكه بسبب عام ، لم ينسب إلى التفريط ، فوجب أن لا يلزمه القضاء ، كالمتحلل بعد