الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص351
( البقرة : 196 ) فأمر بإبلاغ الهدي محله ، ومحله الحرم ؛ لقوله تعالى : ( ثم مَحِلُّها إلى الْبَيْتِ العَتِيقِ ) .
وروي أن رسول الله ( ص ) بعث بهديه إلى مكة مع ناجية بن جندب ، فكان ينحره في الفجاج والأودية ، فلو جاز نحره في الحل لكان لا يتعذر بإنفاذه إلى الحرم ، ولكان نحره بحضرته أفضل ، فعلم أنه إنما أنفذه إلى الحرم ؛ لأن نحره في الحل لا يجوز ، قال : ولأنه دم لزم بحكم الإحرام ، فوجب أن تجب إراقته في الحرم ، قياساً على سائر الدماء ، والدلالة عليه قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) فأوجب الهدي ولم يجر للمكان ذكر ، فكان الظاهر يقتضي جواز نحره عقيب الإحصار ولم يفصل بين أن يكون الإحصار في حل أو حرم .
روي عن جابر بن عبد الله أنه قال : ‘ أحصرنا مع رسول الله ( ص ) عام الحديبية ، فنحرنا البدنة عن سبعة ، ونحرنا البقرة عن سبعة ‘ فدل على نحر ذلك بالحديبية .
فإن قيل : هذا يدل على إحصاره بالحديبية ، ويجوز أن يكون أرسل هديه إلى الحرم .
قيل : هذا تأويل يرده نص الكتاب ، قال الله تعالى : ( هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ ، الهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) ، والمراد بالمسجد الحرام الحرم ، فأخبر أنهم منعوا الهدي أن يصل محله من الحرم .
فإن قيل : فالحديبية التي نحر بها رسول الله ( ص ) من الحرم .
قيل : هذا صحيح ؛ لما تقدم من الآية ، ولما روي أن النبي ( ص ) لما بلغت راحلته إلى ثنية ذات الحنظل بركت ناقة رسول الله ( ص ) فقال : ثقل عليها الحرم ، وهو علي أثقل ، فقد دل ذلك على أنه لم يدخل الحرم على أنه قد روي عن جابر أنه قال : نحرنا في حل من الحديبية ؛ ولأن موضع لتحلله ، فجاز أن يكون محلاً لهديه كالحرم ، ولأن إحلال المحصر يكون بالنحر والحلق ، فلما كان الحلق في موضع إحصاره ، كذلك النحر في موضع إحصاره .
وتحريره قياساً أنه أحد سببي التحلل ، فجاز أن يكون في موضع إحصاره من الحل كالحلق .
فأما الجواب عن قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مِحِلَّهُ ) ( البقرة : 196 ) فالمحل موضع الإحلال ، لقوله ( ص ) لضياعة بنت الزبير : أحرمي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، وقوله تعالى : ( ثمَّ مَحِلُّهَا إلَى البَيْتِ العَتِيقِ ) ( الحج : 33 ) وارد في غير المحصر ، وأما ما روي أنه بعث بهديه إلى مكة مع ناجية بن جندب ، فذاك في غير السنة التي أحصر فيها .