الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص346
المحصر من أحد أمرين : إما أن يكون في حل أو في حرم فإن كان في حل فلا يخلو حال الإحصار من أحد أمرين : إما أن يكون عاماً ، أو خاصاً .
فإن كان عاماً وهو أن يصد جميع الناس عن الحرم ويمنعوا من فعل ما أحرموا به من حج أو عمرة ، فلا يخلو حالهم من أحد أمرين :
إما أن يجدوا طريقاً يسلكونها إلى الحرم غير الطريق التي أحصروا فيها ، أو لا يجدوا طريقاً غيرها ، فإن لم يجدوا طريقاً غيرها ، فلا يخلو حالهم من أحد أمرين :
إما أن يرجوا انكشاف العدو ، أو لا يرجونه .
فإن لم يرجوا انكشاف العدو جاز لهم أن يحلوا من إحرامهم ، سواء كان إحرامهم بحج أو عمرة ؛ لأن العمرة وإن لم تفت ففي المقام على الإحرام بلا مشقة ، وقد كان إحرام رسول الله ( ص ) بعمرة فأحل منها بإحصاره ، ولا يلزمهم قتال عدوهم ، وإن كان بهم قوة عليه ؛ لأن القتال لا يلزمهم إلا في النفير ، فإذا حلوا فعليهم دم الإحصار ولا قضاء عليهم فهذا الكلام فيما إذا كانوا لا يرجون انكشاف العدو .
إما أن يكون ذلك من طريق اليقين ، أو من طريق غلبة الظن ، فإن كان ذلك من طريق اليقين ، وهو أن يعترضهم العدو مجتازاً ، ويعلمون أنه لا يمكنه المقام عليهم ، فإذا كان كذلك لم يخل حال الإحرام من أحد أمرين :
إما أن يكون بحج أو بعمرة ، فإذا كان الإحرام بحج ، نظر ، فإن كان إدراك الحج ممكناً بعد انكشاف العدو ، وهو أن يكون الإحصار قبل الحج بشهر ، وبينهم وبين الحرم مسافة عشرة أيام ، فيكون الفاضل من القوت عشرين يوماً ، فإذا تيقن أن العدو ينكشف إلى عشرين يوماً فما دون ، فعليه المقام على الإحرام ، وليس له التحلل منه بالإحصار ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد عشرين يوماً ، ولا ينكشف قبلها ، فهذا له أن يتحلل من إحرامه بالحج ، وهو الأولى له ؛ لأنه على يقين من أنه ليس يدرك الحج ، فإن لم يتحلل حتى انكشف العدو وقد فاته الحج ، فليس له أن يتحلل بغير طواف وسعي ؛ لزوال الإحصار ، وعليه أن يطوف ويسعى ، وعليه القضاء ؛ لأجل الفوات ، وعليه دم ؛ للفوات دون الإحصار ، فهذا إن كان إحرامه بحج ، فأما إن كان إحرامه بعمرة فإن تيقين انكشاف العدو عن زمان قريب ، وذلك يوم أو يومان أو ثلاثة أيام لزمه المقام على إحرامه ولم يكن له التحلل منه ؛ لأنه لا مشقة عليه في استدامة الإحرام في هذه المدة ، ولا يخرج بها عن حد السفر إلى الإقامة ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد زمان بعيد ، جاز له التحلل من إحرامه ولم يلزمه المقام عليه ، فإن قيل : ما الفرق بين الحج والعمرة حيث قلتم : إنه إذا كان محرماً يحج ، فأحصر ، والوقت واسع ، وعلم أن العدو ينكشف بعد شهر ، وإدراك الحج لا يفوته بعد شهر ، أن عليه