الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص335
طالب – رضي الله عنه – : أن من أتلف بيضاً فعليه أن يلقح محله على ذوق بعدد البيض فما نتجت من شيءٍ تصدق به .
وقال مالك : في البيض عشر قيمة أمه ، كالجنين الذي يجب فيه عشر قيمة أمه .
ودليلنا : حديث أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : ‘ في بيض النعامة يصيبها المحرم قيمتها ‘ .
فإذا ثبت أن عليه قيمته ، فالقيمة معتبرة باجتهاد فقيهين ، وكذلك قيمة ما لا مثل له من الصيد كله ، يجب أن يحكم بها فقيهان عدلان ، كما يحكمان بالمثل من الجزاء ؛ لقوله تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) ( المائدة : 94 ) وهل تعتبر قيمة البيض في موضع إتلافه أو بمكة ؟ على ما مضى من القولين ، فإذا حكما بالقيمة كان من وجبت عليه مخيراً بين إخراج القيمة دراهم يصرفها في مساكين الحرم ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاماً يتصدق به عليهم ، وبين أن يصوم عن كل مدٍ يوماً ، كما كان مخيراً في جزاء ماله مثل من النعم ، والله أعلم .
فإن قيل : لو أتلف المحرم صيداً ميتاً لم يلزمه قيمة جلده ، فهلا كان البيض الفاسد أيضاً لا يلزمه قيمة قشره .
قيل : لأن جلد الميتة لا قيمة له ؛ لأنه ميتة ، وقشر البيض له قيمة .
فإن كان ميتاً ، فلا شيء فيه ، وقال أبو حنيفة : فيه الجزاء ، وإن كان ميتاً ، وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أن ضمان الأم أقوى من ضمان الفرخ ، ثم ثبت أنه لو أتلف الأم بعد موتها لم يضمنها بالجزاء ، فالرخ إذا أتلفه بعد موته أولى ألا يضمنه بالجزاء .
والثاني : أن ضمان البيض في حق الآدمي أقوى من ضمانه بالجزاء ؛ لأن ضمانه في حق الآدمي مجمع عليه ، وبالجزاء مختلف فيه ، فلما لم يكن الفرخ بميت في حق الآدمي مضموناً فأولى أن لا يكون بالجزاء مضموناً وإن كان الفرخ حياً لم يخل حاله من أحد أمرين :
إما أن يعيش ويمتنع أو يموت ، فإن عاش فلا شيء فيه وإن مات فعليه ضمانه ، ثم له حالتان :