الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص322
بالقيمة ، فلما استوى في ضمان القيمة حال الواحد ، والجماعة وجب أن يستوي في ضمان الجزاء حال الواحد والجماعة .
وتحرير ذلك قياساً : أنه صيد مضمون بالجناية فوجب أن يستوي في جناية الواحد والجماعة كالقيمة ، والدلالة على أن الجزاء يجري مجرى ضمان الأموال دون الكفارات : أن الجزاء قد يختلف باختلاف صغير الصيد وكبيره ، كما يختلف ضمان قيمته باختلاف صغره وكبره ، ولو كان كفارة لاستوى حكمهما في صغار الصيد وكباره كما أن كفارة النفوس يستوي في كبار الآدميين وصغارهم ؛ ولأن الجزاء لو جرى مجرى الكفارة لما كان مضموناً باليد ولكان لا يضمن إلا بالجناية مثل كفارات النفوس ، فلما كان مضموناً باليد والجناية ثبت أن ضمانه ضمان الأموال ؛ ألا ترى أن العبد المغصوب إذا مات في يد غاصبه من غير جناية فضمنه باليد وجب عليه ضمان قيمته ولم تجب عليه كفارة قتله ؟ ولأن الجزاء قد يجب في الجملة والأبعاض والكفارة تجب في الجملة ولا تجب في الأبعاض ، فدل على أن ضمانه ضمان الأموال ، فأما الجواب عن الآية فقد مضى .
وأما الجواب عن قياسهم على المنفرد فقد عارضه قياساً على المنفرد ثم نذكر أوصاف علتهم ونعلق عليها ضد حكمهم فنقول : لأنه هتك حرمة إحرامه بالقتل فوجب أن يلزمه قدر ما أتلف كالمنفرد ، على أن المعنى في المنفرد أنه انفرد بقتل صيد كامل ؛ فلذلك لزمه جزاء كامل ، والجماعة إذا اشتركوا في قتل صيد لم ينفرد كل واحد منهم بقتل صيد كامل ؛ فلذلك لم يلزمه جزاء كامل ، وأما قياسهم على كفارة القتل ، فقد حكي أبو علي الطبري عن الشافعي : أن على الجماعة إذا اشتركوا في قتل نفس كفارةً واحدةً ، فإن صح هذا بطل القياس ، والمشهور من مذهب الشافعي أن على كل واحد كفارة ، فعلى هذا المعنى في كفارة النفوس أنها لا تزيد بالصغر والكبر ، وليس كذلك الجزاء .
وأما قولهم لو كان الجزاء يجري مجرى ضمان الأموال لم يجب عليه في إتلاف ملكه ، قلنا : إنما لا يجب عليه الضمان مع إتلاف ملكه إذا لم يتعلق به حق لغيره ، فأما إذا تعلق به حق لغيره فإنه يلزمه الضمان بإتلاف ملكه ، كالعبد المرهون ، والصيد قد تعلق به حق لغيره وهم المساكين فلم يسقط عنه الضمان .
وأما قولهم : إن الجزاء لو كان كالقيمة لم يجتمعا ، فليس بصحيح ؛ لأنهما لا يجتمعان إذا تماثلا ، فأما إذا اختلفا فلا بأس أن يتماثلا ، كالجمع بين زكاة الفطر في الرقيق وبين زكاة القيمة ، وكما يجمع بين العشر والخراج .
وأما قولهم : لو كان كالضمان في الأموال لم يجز فيه الصوم ؛ قلنا : إنما جاز فيه الصوم لأنه ليس بحق آدمي محض ، وإنما يتعلق به حق الله تعالى وحق الآدمي ، فجاز دخول الصوم فيه لتعلق حق الله تعالى به .