الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص301
والدلالة عليهما ما قدمناه من الدلالة على مالك ، ثم فساد ما ذكراه من اعتبار الشبع ، أصح من وجهين :
أحدهما : أنه لا حد للشبع لاختلاف الناس فيه ؛ لأنه قد يكون صيد يشبع منه عشرة أنفس لقلة أكلهم ، ولا يشبع منه خمسة من غيرهم لكثرة أكلهم ، فلم يجز أن يكون ذلك حداً في الجزاء معتبراً .
والثاني : أن جميع الصيد مضمون والشبع إنما يكون من لحمه المأكول دون عظمه وشعره وجلده ، فلم يجز أن يكون بعض مضموناً وهو اللحم وبعض غير مضمونٍ ، وهو الجلد والعظم فبطل اعتبار الشبع فإذا ثبت أنه يعتبر في صيامه الطعام دون الشبع بالصيد فإنه يصوم عن كل مد يوماً ، وقال أبو حنيفة : يصوم عن كل مدين يوماً بناءً على أصله في أن الإطعام من الكفارات لكل مسكين مدين فجعل صيام يومٍ بإزاء إطعام مسكين ونحن بينا ذلك على أصلنا أن لكل مسكين مداً ، فجعلنا صيام يومٍ بإزاء إطعام مسكين ليكون جوع يوم بإزاء إشباع مسكين في يومٍ .
فأما استدلاله بالآية ففيها جوابان :
أحدهما : أن جميع الصيد له مثل إلا أن المثل على ضربين :
أحدهما : مثل من جهة الصورة .
والثاني : مثل من جهة القيمة ، وجميعاً مثلان للمتلف ، كما يحكم على من أتلف طعاماً بمثله ، وعلى من أتلف عبداً بقيمته ، وكلاهما مثل على حسب الإمكان وقد أومأ الشافعي إلى هذا المعنى في القديم ، وإن كان المشهور من قوله غيره .
والجواب الثاني : أن هذه الآية إنما دخل فيها الصيد الذي له مثل من النعم وهو قوله في كتاب الأم وغيره : وما لا مثل له لم يدخل في الجزاء المذكور في هذه الآية ولكن دخل في قوله : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) .