الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص300
مع موافقته على إخراج المثل استدلالاً بأن الإطعام إنما وجب بقتل الصيد كما أن المثل إنما وجب بقتل الصيد ، فلما كان المثل معتبراً بالصيد وجب أن يكون الإطعام معتبراً بالصيد ، ولأنه إذا عدل عن المثل إلى الإطعام فقد استوى حكم ماله مثل وما لا مثل له في تقويم الصيد ، ولأن ضمان الصيد ضمان متلف وسائر المتلفات تعتبر فيها قيمة المتلف لا قيمة مثله فكذا الصيد يجب أن يعتبر فيه قيمة الصيد المتلف لا قيمة مثله ، والدلالة عليه قوله تعالى : ( فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) ( المائدة : 95 ) وفي الآية دليلان : أحدهما : قوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) فرفع الجزاء وجر المثل على قراءة كثير من القراء فأوجب عليه بظاهر هذه القراءة جزاء مثل المقتول ، ولم يوجب جزاء المقتول ، والدلالة الثانية منها قوله تعالى : ( أَوْ كَفَارَةٌ طَعَامُ مَسَاكينَ ) يعني كفارة ما تقدم ذكره ، وقد تقدم ذكر الصيد والمثل فلم يجز أن ترجع إليها جميعاً ، وإنما ترجع الكفارة إلى أحدهما ، ورجوعهما إلى المثل دون الصيد أولى ؛ لأنه أقرب المذكورين ، ولأن الإطعام قد يتقدمه المثل ويتعقبه الصيام ، فلما كان ما يتقدمه من المثل معتبراً بما يليه وهو الصيد ، وما يتعقبه من الصيام معتبراً بما يليه من الإطعام ، ويجب أن يكون الإطعام معتبراً بما يليه وهو المثل ، وتحرير ذلك قياساً أنه مخرج في الجزاء ، فوجب أن يكون معتبراً بما يليه في التلاوة كالمثل والصيام ، فأما الجواب عن استدلاله بأن المثل لما كان معتبراً بالصيد ، وجب أن يكون الإطعام معتبراً بالصيد ؛ وهو أن يقال : إنما اعتبر المثل بالصيد ؛ لأنه يليه في التلاوة ، فوجب أن يكون الإطعام مثله معتبراً بما يليه في التلاوة ، وقد جعلنا ذلك دليلاً .
وأما ما ذكره مما لا مثل له فإنما اعتبر فيه قيمة الصيد لعدم المثل ، وليس كذلك ما له مثل ، وأما قوله : إنه لما كان في سائر المتلفات تعتبر قيمتها دون أمثالها ، فكذلك في الصيد قلنا الاعتبار في سائر المتلفات قيمة أمثالها دون المتلفات في أنفسها ؛ لأنه يقال : كم قيمة هذا المتلف ؟ إلا أن ما له مثل من جنسه قد تستوي قيمته وقيمة مثله ، وما لا مثل له من جنسه كالصيد قد تختلف قيمته وقيمة مثله .