الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص299
وبين أن يهدي عشر شاة ، وبين أن يخرج قيمة العشر طعاماً ، وبين أن يكفر عدل الطعام صياماً .
وقال مالك : إذا غاب مجروحاً فعليه فدية كاملة ؛ لأن جرحه متحقق وجوده وموته من غيره ، مشكوك فيه ، وهذا غلط ؛ لأن الفدية بالشك لا تجب ، وقد يجوز أن يكون حياً فلا تجب ، ويجوز أن يكون ميتاً من غير الجرح فلا تجب ، ويجوز أن يكون ميتاً من الجرح فتجب ، فلم يجز أن يحكم بوجوبها بالشك ولا يحكم بإسقاطها باليقين ؛ ولأن حرمة الآدمي أوكد من حرمة الصيد ، ثم ثبت أنه لو جرح آدمياً فغاب عنه لم تلزمه كفارة نفسه ، ولا كمال ديته ، فالصيد الذي هو أقل منه حرمة أولى ألا يلزمه بجرحه وغيبته كمال فديته .
قال الماوردي : وهذا كما قال جزاء الصيد على التخيير عند الشافعي رضي الله عنه وبه قال أبو حنيفة ومالك ، وحكي عن ابن عباس والحسن البصري أنها على الترتيب ، فلا يجوز الطعام إلا بعد عدم الهدي ، ولا الصيام إلا بعد عدم الطعام وقد حكاه أبو ثور عن الشافعي في القديم ، وليس بمشهور عنه ، بل نصه في القديم والجديد والإملاء أنها على التخيير واستدل من أوجبها على الترتيب بأن قال : جزاء الصيد كفارة نفسٍ محظورةٍ ، وكفارات النفوس مرتبة لا تخيير فيها كالكفارة في قتل الآدمي .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) إلى قوله : ( أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ) ، وموضع لفظة ‘ أو ‘ في اللغة أنها تدخل في الأوامر للتخيير ، كقوله : اضرب زيداً أو عمراً وفي الأخبار للشك كقوله : رأيت زيداً أو عمراً ، فلما كان الخطاب أمراً وجب أن يكون المأمور مخيراً ، ولأنه إتلاف ما هو ممنوع منه بحرمة الحرام فوجب أن يكون بدله على التخيير كالحلق وفدية الأذى ، فأما اعتبارهم بكفارة القتل فاختلاف الأمر بهما يمنع من الجمع بينهما والله أعلم بالصواب .