پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص298

فإذا جرح صيداً ، أو قطع منه عضواً فلا ضمان عليه إلا أن يقتله استدلالاً بقوله : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ( المائدة : 95 ) ، فلما أوجب الجزاء في قتله انتفى وجوب الجزاء في غير قتله ، قال : ولأن الجزاء كفارة لقوله تعالى : ( أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) ( المائدة : 95 ) ، والكفارة إنما تجب في النفوس ، ولا تجب في الأطراف والأبعاض ، والدلالة عليه هو قوله تعالى : ( وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) ( المائدة : 96 ) ، والصيد هو المصيد ، فحرم الله تعالى أفعالنا فيه ، وإذا كان الجرح محرماً كالقتل وجب أن يكون مضموناً كالقتل ؛ ولأن كل حيوان كانت نفسه مضمونة كانت أطرافه مضمونة كالبهائم ، فأما الآية فإنها تقتضي إيجاب الجزاء الكامل في القتل ، ولا يبقى وجوب الضمان بنقص الجزاء فيما سوى القتل ، لا من طريق النطق ولا من طريق الاستدلال ، وأما قوله : إن الجزاء كفارة لأن الله تعالى سماها باسم الكفارة ، فهي إن كانت مسماةً بالكفارة فذاك في الإطعام دون الجزاء ، وهي في معنى حقوق الأموال .

فصل

: فإذا ثبت أن جرح الصيد وقطع عضو منه مضمون كضمان نفسه وجب على جارح الصيد أن يراعي جرحه ، ويتعاهد طعامه وشرابه فإذا اندمل الجرح استقر الضمان ، فيقوم الصيد حينئذٍ وهو صحيح لا جرح به ، فإذا قيل : قيمته مائة درهم قوم وهو مجروح قد اندمل جرحه ، فإذا قيل : تسعون درهماً علم أنه قد نقص بالجراحة العشر ، قال الشافعي : فيكون عليه عشر ثمن شاة ؛ لأن الصيد ظبي ، لو قتله لافتداه بشاةٍ ، فاختلف أصحابنا ، فكان أبو إبراهيم المزني يقول : عليه عشرة شاة ، فأوجب المثل في الجراح كما أوجب المثل في النفس ، وساعده بعض أصحابنا على ذلك ؛ لأن كل جملة كانت مضمونة بالمثل كانت إحداها مضمونة بالمثل ، كالطعام المغصوب إذا أتلف جميعه ضمنه بمثله ، ولو أتلف قفيزاً منه ضمنه بمثله ، وكان أبو إسحاق المروزي وأبو علي ابن أبي هريرة وسائر أصحابنا يحملون كلام الشافعي على ظاهره ، ويوجبون عليه عشر ثمن شاة لأمرين :

أحدهما : أن كل جملة مضمونة بالمثل كان النقص الداخل عليها بالجناية مضموناً بالأرش من القيمة دون المثل كالطعام المغصوب إذا بله بالماء ، أو قلاه بالنار ، ضمن أرش نقص دون المثل .

والثاني : أن في إيجاب عشر شاة إضراراً به ؛ لأنه يحتاج إلى شركاء في الشاة ليكون شريكهم فيها بالعشر ، فهذا متعذر ، وإلى أن يهدي شاة كاملة ؛ ليصل عشرها إلي المساكين ، وفي ذلك إضرار ، فإذا تقرر هذان المذهبان فعلى مذهب المزني أن يكون مخيراً بين ثلاثة أشياء بين أن يهدي عشر شاة ، أو يخرج قيمة العشر طعاماً ، أو يكفر بعدل الطعام صياماً ، وعلى مذهب الشافعي وظاهر نصه يكون مخيراً بين أربعة أشياء بين عشر ثمن الشاة ،