پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص293

حينئذٍ به ، فلو حكم به عدلان بمثل من النعم ، وحكم فيه عدلان آخران بمثل آخر غير المثل الذي حكم به العدلان الأولان ففيه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : أنه مخير في الأخذ بأيهما شاء .

والثاني : يأخذ بأغلظهما ؛ بناء على اختلاف أصحابنا في اجتهاد الفقيهين إذا تعارضا ، فلو حكم فيه عدلان بالمثل من النعم ، وحكم فيه عدلان أن لا مثل له من النعم ، كان حكم من حكم فيه بالمثل أولى من حكم من حكم بأن ليس له مثل ، ولأن النفي لا يعارض الإثبات .

مسألة

: قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولا يفدي إلا من النعم ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ( المائدة : 95 ) فعلق المثل بالنعم فانتفى عما سوى النعم ، والنعم : الإبل والبقر والغنم ، وهي التي تذبح في الأضاحي ، قال الله تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةَُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) ( المائدة : 1 ) قال الشافعي : فلم أعلم مخالفاً أنه غير الإبل والبقر والغنم والضأن ، وهي الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى فيها : ( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ منَ الضَّأنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المِعْزَ اثْنَيْنِ ) ( الأنعام : 143 ) ، ثم قال تعالى : ( وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ ) ( الأنعام : 144 ) ، فهي بهيمة الأنعام ، فإذا أجزأ الصيد بالمثل من النعم لم يجز أن يدفعه حياً إلى الفقراء حتى ينحره في الحرم ، سواء أصاب الصيد في حل أو حرمٍ ، لقوله تعالى : ( هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ ) ؛ فإن دفعه إليهم حيّاً لم يجزه ؛ لأنه متعبدٌ بالجزاء من النعم وإراقة دمه في الحرم ، فإذا فعل أحدهما لم يجزه ، ثم ينظر فإن أعلم الفقراء أن ما دفعه إليهم هو جزاءً الصيد فله استرجاعه من أيديهم ، فإذا استرجعه ونحره كان مخيراً بين دفعه إليهم أو إلى غيرهم ، ولا يلزمه بالدفع الأول أن يرده عليهم بعد النحر ؛ لأنه لم يقع موقع الإجزاء فلم يكن له حكم ، وإن لم يعلمهم أنه هديٌ فليس له استرجاعه إلا أن يصدقوه والقول فيه قولهم مع أيمانهم ؛ لأن ظاهر دفعه إليهم يوجب تمليكهم ، فإذا ذبح الجزاء في الحرم فرق لحمه طرياً على فقراء الحرم ، وليس بما يعطي كل فقير منهم قدر محدود بالشرع ، وأقل ما يجزئه أن يفرقه على ثلاثةٍ إن كان قادراً عليهم أو على من قدر عليه منهم ، ولو كان واحداً فلو دفعه إلى اثنين مع قدرته على الثالث كان ضامناً لذلك ؛ لأنه دفع واجباً عليه إلى غير مستحقه ، وفي قدر ضمانه وجهان :

أحدهما : يضمن الثلاثة مساواة بين جميعهم فيه .

والثاني : أنه يضمن منه أقل ما يجزئ أن يعطي أحدهم من غير تقدير بالثلث ؛ لأن المساواة بينهم في التفرقة لا تلزم .