الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص289
قيل عن هذا جوابان :
أحدهما : لو جاز أن يوافق ذلك في وقت لجاز أن يخالفه في غيره ، وقد اتفق حكمهم في كل وقتٍ .
والثاني : أنهم قد أوجبوا في الأرنب عناقاً وفي اليربوع جفرة ، وعند أبي حنيفة لا يجوز أن يصرف قيمة الصيد في عناقٍ ولا جفرةٍ وإنما تصرف فيما يجوز أضحية وجب أن يتنوع حق الله تعالى إلى نوعين : نوع يضمن بالمثل ، ونوعٌ يضمن بالقيمة .
فدل ذلك على أنهم حكموا بالمثل ، ولم يحكموا بالقيمة .
ومن الدلالة عليه من طريق المعنى أنه تكفير قتل بحيوانٍ فوجب ألا تعتبر فيه قيمة المقتول من الحيوان قياساً على كفارة قتل الآدميين ؛ ولأنه تكفيرٌ بحيوانٍ وجب بحرمةِ الإحرام ، فوجب ألا تعتبر فيه القيمة ككفارة الأذى وغيرها من سائر الدماء ؛ ولأن للحقوق المضمونة بالإتلاف حقان : حق لله تعالى ، وحق لآدمي . فلما كان حق الآدمي يتنوع نوعين : نوعٌ يضمن بالمثل ، ونوع يضمن بالقيمة ، وجب أن يتنوع حق الله تعالى نوعين : نوعٌ يضمن بالمثل ، ونوعٌ يضمن بالقيمة .
وتحرير ذلك قياساً أنه أحد جنسي ما يضمن بالإتلاف فوجب أن يتنوع ضمانه نوعين : مثلاً وقيمة كحقوق الآدميين .
الجواب : أما استدلالهم الأول من الآية وهو قولهم : إن المثل إما أن يكون في الصورة والجنس ، أو في القيمة .
فالجواب عنه : أن المثل إذا ورد مطلقاً حمل على أحد هذين ، فأما إذا ورد مقيداً فإنه يحمل على تقييده ، وقد قيد الله تعالى ذلك بالمثل من النعم فوجب أن يحمل عليه .
وأما استدلالهم الثاني من الآية وهو قولهم : إن المثل في الصورة لا يفتقر إلى اجتهاد وعدلين ؛ لأنه يدرك بالمشاهدة ، وإنما تفتقر إلى ذلك القيمة .
فالجواب : أن الاجتهاد في المثل والنعم أخفى من الاجتهاد في القيمة ؛ لأن القيمة قد يعرفها سوقة الناس وعوامهم ، والمثل إنما يعرفه خواصهم وعلماؤهم ؛ فكان باجتهاد عدلين أولى .
وأما استدلالهم الثالث من الآية وهو قولهم : إن الجزاء بالمثل راجعٌ إلى جميع الصيد ، فلما أريد ببعضه القيمة دون المثل وهو ما لا مثل له ، فكذلك ما له مثل .