الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص288
منه ، وإنما ترجع إلى أبعد المذكور وهو المثل دون النعم ؛ لأن عنده أن ذوي عدلٍ إنما يحكمان بالقيمة دون النعم .
وعندنا أنهما يحكمان بالمثل من النعم ، وما قلناه أولى بالظاهر وأحق بالتبيان .
ومن الدلالة عليه حديث جابر أنه سئل عن الضبع ؛ أصيدٌ هو ؟ قال : نعم ، قيل : أيؤكل ؟ قال : نعم ، قيل : فيه كبشٌ إذا أصابه المحرم ؟ قال : نعم ، وقيل : وسمعته من رسول الله ( ص ) ؟ قال : نعم فصار كأنه روى عن رسول الله ( ص ) أنه قال : ‘ الضبع صيدٌ يؤكل ، وفيه كبشٌ إذا أصابه المحرم وفي هذا الخبر استدلالٌ من أربعة أوجه :
أحدهما : أن النبي ( ص ) أوجب من الضبع كبشاً ، وأبو حنيفة يوجب القيمة ولا يوجب الكبش .
والثاني : أنه جعل الكبش بدلاً مقدراً ، والقيمة لا تتقدر وإنما تكون اجتهاداً .
والثالث : أنه قدره بكبش جعله كل موجبه ؛ وذلك يمنع من الزيادة عليه والنقصان منه .
والرابع : أنه نص على الكبش في جزاء الضبع وخصه من بين سائر الحيوان ، فعلم أنه يتعين في جزاء الضبع ، وأن القيمة لا تجب إذ لو وجبت القيمة لجاز صرفها في الكبش وغيره وكما كان للكبش اختصاص به .
ومن الدلالة عليه إجماع الصحابة رضي الله عنه وهو ما روي عن عمر وعلي وعثمان وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عوف وابن الزبير ومعاوية رضي الله عنهم أنهم حكموا في قضايا مختلفةٍ في بلدانٍ شتى ، وأوقاتٍ متباينةٍ في الضبع بكبشٍ ، وفي النعامة ببدنةٍ ، فلما اتفقت أحكامهم في البلدان المختلفة والأوقات المتباينة دل على أن الواجب فيه مثله من النعم دون قيمته ؛ لأمرين :
أحدهما : أن القيمة قد تزيد في بلدٍ ، وتنقص في غيره ، وتزيد في وقتٍ وتنقص في غيره .
والثاني : أنهم قد حكموا فيه بأكثر من قيمته ؛ لأنهم حكموا في النعامةٍ ببدنةٍ ولا تساوي بدنةً ، وحكموا في الضبع بكبشٍ وهو لا يساوي كبشاً فإن قيل فيجوز أن يكون وافق قيمة الضبع في ذلك الوقت كبشاً ، وقيمة النعامة بدنةً .