پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص285

أحدهما : أن قوله تعالى : ( لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ ) إشارة إلى جنس الصيد ؛ لأن الألف واللام يدخلان لجنس أو معهود ، وليس في صيد معهود فثبت دخولهما للجنس ، ولفظ الجنس يستوعب جملته وآحاده ، ثم قال الله تعالى : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ( المائدة : 95 ) فكان ذلك عائداً إلى جملة الجنس وآحاده ؛ لأنه عطف عليه بها الكناية ، وحكم العطف أن يعود إلى ما تناوله المعطوف عليه .

فإن قيل فقوله تعالى : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) يعني ومن قتل واحداً من الجنس دون جميعه ، لأنه لو أراد جميع الجنس لكانت الكناية عائدة إليه بالهاء والألف فيقول : ومن قتلها منكم متعمداً قيل : إنما ترجع الكناية بالهاء والألف إذا عادت إلى استغراق الجنس من جهة اللفظ دون المعنى كقولهم صيود فأما إذا عادت إلى لفظ يستغرق الجنس من جهة المعنى دون اللفظ فإنما تعود بكناية التذكير والتوحيد وهي الهاء دون الألف كقولهم : من دخل الدار فله درهم ، ‘ فمن ‘ وإن كانت تتناول الجنس من الرجال والنساء فقد عادت الكناية إليه في قولهم : فله درهم بلفظ التوحيد والتذكير ، لأن استغراق الجنس من جهة المعنى دون اللفظ ، كذلك الصيد إنما علم استغراق جنسه من جهة المعنى وهو دخول الألف واللام دون اللفظ فجاز أن تعود الكناية بالهاء دون الألف والدلالة الثانية من الآية قوله تعالى : ( فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) فأوجب مثل ما قتل فإذا قتل صيدين وجب عليه مثلهما ، لأن الجزاء الواحد لا يكون مثلاً لهما ، ولأنها نفس مضمونة بالتكفير فوجب أن يكون تكرار القتل موجباً لتكرار التكفير كنفوس الآدميين ، ولأنه غرم مال يجب بالإتلاف فوجب أن يتكرر الغرم فيه بتكرر الفعل منه كأموال الآدميين .

فأما استدلاله من الآية بقوله : إن الحكم المعلق بما لا يوجب تكراره بتكرار الفعل كقوله : من دخل الدار فله درهم . فالجواب : أن الحكم المعلق ب ‘ من ‘ لا يتكرر بتكرار الفعل إذا كان الفعل الثاني واقعاً في محل الفعل الأول فأما إذا كان الفعل الثاني واقعاً في غير محل الفعل الأول فإن تكرار الفعل يوجب تكرار الحكم كقوله ‘ من دخل داري فله درهم ‘ فإذا دخل داراً له استحق درهماً ولو دخل داراً له أخرى استحق ثانياً كذلك الصيد لما كان الثاني غير الأول وجب أن يتعلق بالثاني مثل ما تعلق بالأول وأما استدلاله بقوله تعالى : ( وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) فالجواب عنه أن معناه ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه بالجزاء ؛ لأن قبله قوله تعالى : ( عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ ) يعني : في الجاهلية ثم قال : ‘ وَمَنْ عَادَ ‘ يعني : في الإسلام ‘ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ‘ يعني : بالجزاء هكذا فسره عطاء وغيره ، ولفظ الآية لا يقتضي غيره .

قال الشافعي : ولا يعاقبه الإمام فيه ، لأن هذا ذنب جعلت عقوبته فدية إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامداً مستخفاً والله أعلم بالصواب .