الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص257
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولا يجوز أن يستأجر الرجل من يحج عنه إذا لم يقدر على مركبٍ لضعفه أو كبره إلا بأن يقول يحرم عنه من موضع كذا وكذا ‘ .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن النيابة في الحج جائزة والاستئجار على الحج جائز .
وقال أبو حنيفة : لا تصح النيابة في الحج والاستئجار عليه فإن استأجر رجل رجلاً ليحج عنه أو عن ميت وقعت الحجة للحاج وكان للمحجوج عنه ثواب يعقبه استدلالاً بأن الحج من عبادات الأبدان فوجب أن لا تصح النيابة فيه كالصلاة والصيام ، ولأنها عبادة يتعين عليه فعلها بالدخول فيها فوجب أن لا تصح الإجارة عليها ولا النيابة فيها كالجهاد والدلالة عليه رواية عطاء عن ابن عباس أن النبي ( ص ) سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك قال : لا قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة فأذن له في الحج عن شبرمة فاقتضى أن يكون الحج واقعاً عنه والفرض ساقطاً به وروي عن الخثعمية أنها قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه فقال : نعم قالت أينفعه قال : نعم أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أينفعه قالت نعم قال : فدين الله أحق أن يقضى ، فجعل قضاء الحج عنه مسقط لفرضه كما أن قضاء الدين عنه مسقطاً لدينه ، وقال ( ص ) لأبي رزين ‘ حج عن أبيك واعتمر ‘ ولأن كل عمل جاز أن يتطوع به الغير عن الغير جاز أن تصح فيه النيابة ويصح وعليه عقد الإجارة كبناء المساجد وكتب المصاحف فإن قالوا لا نسلم أنه يجوز أن يتطوع به الغير قلنا يعني أنه يضيف الفعل إليه فيقول لبيك عن فلان ليحصل له ثواب النفقة ، ولأنه من فروض الأعيان يجب بوجود المال فوجب أن تصح فيه النيابة كالزكاة .
فأما قياسهم على الصلاة والصيام فالمعنى فيه : أن الصلاة والصيام لا يتعلق وجوبها بالمال فلذلك لم تصح فيهما النيابة وليس كذلك الحج .
وأما قياسهم على الجهاد فالمعنى فيه : أنه ليس من فروض الأعيان فلذلك لم تصح النيابة فيه لاستواء النائب والمناب عنه وليس كذلك الحج .