الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص247
عن عامة إلى عام غيره لأن فرض الحج عندنا على التراخي والتوسعة فإن أخره عن عامه فلا دم عليه ، لأنه مر بميقاته مريداً بالحج في غير علمه لم يلزمه دم وإنما يلزم من أراد الإحرام به في عامه فهذا إذا أراد تأخير الحج وإن أراد فعل الحج في عامه فعليه أن يستأنف إحراماً بالحج جديداً ؛ لأن إحرامه الأول غير منعقد فإذا استأنف الإحرام نظر فإن عاد إلى ميقاته قبل عرفة فلا دم عليه وإن لم يعد إلى ميقاته قبل عرفة أجزأه حجه وعليه دم لمجاوزة ميقاته قولاً واحداً ؛ لأنه قد مر بميقات بلده مريداً للحج في عامه فلم يحرم منه إحراماً صحيحاً ، وهذا بخلاف الصبي والعبد في أحد القولين ، لأن إحرامهما صحيح .
وقال المزني : لا دم عليه وبه قال أبو حنيفة استدلالاً بشيئين :
أحدهما : قول رسول الله ( ص ) : ‘ الإسلام يجب ما كان قبله ‘ والجواب عنه أن الدم وجب عليه بعد الإسلام لا قبله .
والثاني : أنه قال إذا كان الإحرام من الميقات لا يصح منه فهو كمن مر به غير مريد للحج فلا يلزمه دم قبل هذا مريد للحج فلم يجز أن يقال إنه غير مريد وفعل الإحرام يصح منه ، لأنه قد تقدم على الإسلام فلم يصح أن يقال الإحرام لا يصح منه والله أعلم .
أحدهما : قد بطل حجه بحدوث الردة فيه كما تبطل الصلاة والصيام .
والوجه الثاني : أن حجه لا يبطل لحدوث الردة فيه ، فإن أسلم بنى على حجه وأجزأه ، لأن الحج لما لم يخرج منه بالفساد لم يخرج فيه بالردة فأما إذا أتم المسلم حجه ثم ارتد لم يبطل حجه الماضي ولم يبطل عمله المتقدم إلا أن يموت على الردة فإن عاد إلا الإسلام لم يلزمه قضاء الحج .
وقال أبو حنيفة : قد بطل ما تقدم من حجه بحدوث الردة بعده ؛ لأن الردة قد أحبطت عمله استدلالاً بقوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبِطَنَّ عَمَلُكَ ) ( الزمر : 65 ) وبقوله تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيِمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) ( المائدة : 5 ) فأحبط عمله في هذين الآيتين بنفس الكفر دون الموت عليه ، وبما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ الإسلام يجب ما كان قبله ‘ فكان ظاهره يقتضي سقوط جميع عمله ، ولأنه أحدث إسلاماً فوجب أن يستأنف الحج كالكافر الأصلي ، ولأنه إذا مات مرتداً فقد حبط عمله إجماعاً ولا يخلو أن يحبط عمله بالشرك أو بالموت فلم يجز أن يحبط عمله بالموت لأن المسلم يموت ولا يحبط عمله فثبت أنه قد أحبط عمله بالردة .