الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص221
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ وعليه الهدي بدنةً ويحج من قابلٍ بامرأته ويجزي عنهما هديٌ واحدٌ ‘ .
قال الماوردي : وقد ذكرنا أن الوطء مفسد للحج موجب للقضاء والكفارة ، وإذا كان لذلك فهذه المسألة تشتمل على ثلاثة فصول ، فالفصل الأول في إيجاب القضاء عليهما . والفصل الثاني في وجوب الكفرة عنهما ، والفصل الثالث في التفرقة بينهما ، فأما الفصل الأول في وجوب القضاء عليها ، فلا يخلو حال الواطئ والموطوءة من ثلاثة أقسام : إما أن يكون محرمين معاً ، أو يكون الواطئ محرماً دون الموطوءة أو تكون الموطوءة محرمة دون الواطئ ؛ فإن كانا محرمين معاً فقد أفسدا حجهما ، ووجب القضاء عليها ، وهل ذلك على الفور في عامهم المقبل أو على التراخي ؟ على وجهين :
أحدهما : أن وجوب القضاء عليهما على التراخي لا على الفور فمتى شاءا كان لهما أن يقضيا في عام واحد وعامين ؛ لأن القضاء ليس بأوكد من حجة الإسلام فلما كانت حجة الإسلام على التراخي ، فالقضاء أولى أن يكون على التراخي ، ولأن من العبادات التي يضيق وقتها ويجب فعلها على الفور إذا فاتت كان قضاؤها على التراخي كالصوم ؛ فالحج الذي نجعله على التراخي دون الفور بالقضاء أولى أن يكون على التراخي دون الفور .
والوجه الثاني : أن عليهما القضاء على الفور في العام المقبل وهو منصوص المذهب ؛ لأن القضاء بالدخول فيه فلا يجوز تأخيره ، فقضاؤه يجب أن يكون مثله في حكم الأداء ثم كان الحج الذي قد ضاق وقته مطيقاً فلا يجوز تأخيره ، فإذا ثبت هذا لم يخل حال الموطوءة من ثلاثة أقسام : إما أن تكون أجنبية وطئت بشبهة أو سفاح ، أو أمة وطئت بملك اليمين ، أو تكون زوجة وطئت بعقد النكاح ، فإن كانت أجنبية وطئت بشبهة أو سفاح فمؤونة الحج في القضاء واجبة في مالها دون مال الواطئ ؛ لأن وطء الأجنبية غير موجب لتحمل المؤونة كالنفقة ، وإن كانت أمة وطئت بملك يمين فمؤونة القضاء واجبة على السيد الواطئ دون الأمة الموطوءة لأنها لا تملك ما كسبت ، وإن كانت زوجة وطئت بعقد نكاح ففي مؤونة حجها في القضاء وجهان :
أحدهما : في مال الزوجة الموطوءة لأن القضاء من عبادات الأبدان وما لزم الزوجة من عبادات الأبدان فالنفقة المتعلقة بها في مال الزوجة لا يتحمله الزوج عنها كحجة الإسلام .
والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب الشافعي : أن مؤونة القضاء في مال الزوج للواطئ ؛ لأن القضاء إنما وجب بالوطء ، وحقوق الأموال المتعلقة بالوطء يختص بتحملها الزوج كالمهر والكفارة ، وإن كان الواطئ محرماً دون الموطوءة فعلى الواطئ القضاء والكفارة دون الموطوءة ، وإن كانت الموطوءة محرمة دون الواطئ فعلى الموطوءة القضاء دون الواطئ والكلام في تحمل مؤونة القضاء على ما مضى .