الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص220
قال الماوردي : قد مضى حكمه في الحج فإذا أفسد حجه وهو يحرم بوطء منع أن يطأ ثانياً لأن حجه وإن فسد محرمة الإحرام باقية لوجوب الإتمام عليه ؛ فإن وطئ ثانية فليس عليه إلا قضاء واحد ؛ لأن فساد الإحرام إنما كان بالوطء الأول دون الثاني ، فأما وجوب الكفارة بالوطء الثاني فلا يخلو حاله فيه من أحد أمرين : إما أن يكون وطؤه الثاني بعد التكفير عن وطئه الأول فعليه للوطء الثاني كفارة لا يختلف ، لأن كلما فعله وابتدأ وجبت فيه فإذا فعله ثانية وجبت به الفدية كالطيب واللباس وقتل الصيد ، وإذا ثبت وجوب الكفارة ففيها قولان :
أحدهما : وهو قوله في القديم بدنة لأن كل فعل تتكرر الفدية بفعله ففدية الفعل الثاني مثل فدية الفعل الأول كالطيب واللباس وقتل الصيد .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد : عليه شاة ، لأنه استمتاع لم يفسد الحج فوجب أن لا يوجب الفدية كالوطء دون الفرج ، ولأن حرمة الإحرام بعد الوطء الأول أخفض من حرمته قبله لورود الفساد عليه فوجب أن يكون الوطء الثاني أخفض من الوطء الأول لضعفه من تأثير الوطء الأول .
أحدهما : لا كفارة عليه بالوطء الثاني ، وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني ؛ لأن الكفارة تجري مجرى الحد والحدود إذا ترادفت من جنس واحد تداخلت ، ولأن الوطء في الحج كالوطء في الصوم في إيجاب القضاء والكفارة ثم كان الوطء الثاني في الصوم الفاسد لا يوجب الكفارة فكذلك الوطء الثاني في الحج الفاسد ؛ لا يوجب الكفارة .
والقول الثاني : عليه الكفارة وبه قال في الجديد ؛ لأنه وطء عمد صادف إحراماً لم يتحلل شيء منه فوجب أن يتعلق به الكفارة كالوطء الأول ، ولأن كل عبادة وجبت بالوطء فيها الكفارة لو كفر عما قبله وجب فيه الكفارة ، وإن لم يكفر عما قبله كالصوم إذا وطئ في اليوم الأول منه فلم يكفر عنه حتى وطئ في اليوم الثاني لزمته كفارة ثانية كذلك الحج ، فأما الحدود فإنما تداخلت ؛ لأنها عقوبات لا يتعلق بها حق لآدمي ، وليس كذلك الكفارات ، لتعلق حق الآدمي بها ، وأما صوم اليوم الواحد فإنما لم يجب بالوطء الثاني فيه كفارة لخروجه منه بالفساد ، والحج لا يخرج منه بالفساد ، فإذا ثبت وجوب الكفارة فيه على أصح القولين ففي الكفارة قولان على ما مضى :
أحدهما : ‘ بدنة ‘ على قوله في القديم كالوطء الأول .
والثاني : شاة على قوله الجديد كالاستمتاع .