الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص214
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا حاضت المرأة بعد فراغها من الحج فلها أن تنفر بلا وداع البيت ؛ لرواية عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما أرى صفية إلا حابستنا ، فقال رسول الله ( ص ) : ولما ، فقلت له إنها حاضت فقال النبي ( ص ) : أليس أنها قد أفاضت فقلت بلى ، فقال عليه السلام : فلا حبس عليك . وروي أن زيد بن ثابت نحى ابن عباس فقال : أنت تفتي أن الحائض تنفر بلا وداع ، فقال له ابن عباس : اسأل أم سليم وصواحباتها فسألها فأخبرته أن النبي ( ص ) أرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فرجع إلى ابن عباس وهو يبتسم وقال القول ما قلت فإذا ثبت أن الحائض لا تنفر بلا وداع فلا دم عليها لتركه ؛ لأنها غير مأمورة ، فإن طهرت بعد أن نفرت نظر إن طهرت في بيوت مكة لزمها أن ترجع فتودع البيت بالطواف بعد أن تغتسل ؛ لأنها في حكم المقيم ؛ لوجوب إتمام الصلاة عليها ، وإن طهرت بعد مجاوزة بيوت مكة فليس عليها الرجوع وإن كانت في الحرم ، لأنها في حكم المسافر لجواز قصر الصلاة لها .
وقال مالك : على الجمال أن يحتبس لها مدة أكثر الحيض وفضل ثلاثة أيام استدلالاً بما روي عن أبي هريرة أنه قال : أجيران وليس بأجيرين امرأة صحبت قوماً في الحج فحاضت فليس لهم أن ينفروا حتى تطهر وتطوف بالبيت ، أو تأذن لهم ، والرجل إذا شيع الجنازة فليس له أن يرجع حتى يدفن أو يأذن له وليها .
والدلالة على ما قلناه رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ لا ضرر ، ولا إضرار من ضار أضر الله به ومن شاق شق الله عليه ‘ وفي احتباس الجمال إضرار به ، ولأنه لو حبسها مرض لم يلزمه انتظار برؤها ، فكذلك إذا حبسها حيض لم يلزمه انتظار طهرها ، فأما حديث أبي هريرة فقد أنكره زيد بن ثابت وقال : ليس لهم علينا أمره ، فهذا آخر ما أمر بفعله من مناسكه في حجه وعمرته .