الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص188
جميعه ، فجعل أبو العباس الأكل والإطعام مباحين ، وجعل أبو حفص بن الوكيل الأكل والإطعام واجبين . وكلاهما غير مصيب ، والصحيح : أن الأكل مباح والإطعام واجب ؛ لأن المقصود في الهدي أنه قربة إلى الله تعالى ؛ ولذلك سمي قراباً ، والقربة في إطعام الفقراء لا في أكله ، ولما قال تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهَا وأَطْعِمُوا ) ( الحج : 28 ) كان الأمر بالأكل مباحاً ؛ لأنه بعد حظر ، وكان الأمر بالإطعام واجباً ؛ لأنه مقصود الهدي .
أحدهما : وهو قوله في القديم : يأكل ، ويدخر الثلث ، ويهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث ، وهو مذهب ابن مسعود وقد روي ذلك عن رسول الله ( ص ) .
والقول الثاني : إن المستحب أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف ؛ لقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ) ( الحج : 28 ) فكان ظاهره التسوية بين الأمرين . فأما الجائز من ذلك فما يقع عليه اسم الأكل والصدقة ، فإن تصدق بجميعها إلا رطلاً أكله أجزأه ، وإن أكل جميعها إلا رطلاً تصدق به أجزأه ، فلو تصدق بجميعها ولم يأكل منها شيئاً أجزأه ؛ لأن الأكل مباح وليس بواجب . ولو أكل جميعها ولم يتصدق بشيء منها لم يجزئه وكان ضامناً ، وفي قدرها يضمنه وجهان :
أحدهما : أنه يضمن منها قدر الجائز وهو ما يقع عليه الاسم ؛ لأنه قد كان له فعل ذلك قبل التفويت فوجب أن لا يلزمه إلا ضمان ذلك القدر بعد التفويت . والوجه الثاني : أنه يضمن منها قدر الاستحباب وهو النصف ، أو الثلث على اختلاف القولين لتقديره نصاً بالسنة واستواء حكمها في ظاهر الآية ، والأول أقيس والله أعلم .
قال الشافعي : وأحب أن يأكل من كبد هديه إن كان تطوعاً قبل أن يمضي إلى الطواف والإفاضة ؛ لما روي أن النبي ( ص ) أمر عليا بذلك .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ وقد حل من كل شيء إلا النساء فقط ‘ .