الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص186
والجواب عن حديث ابن عباس ورمي النبي ( ص ) إذا عارضته أخبارنا كان محمولاً على الاختيار .
وأما قياسهم على ما قبل نصل الليل فالمعنى في النصف الأول أنه من توابع اليوم الماضي ، فلذلك لم يجزه والنصف الثاني من توابع اليوم المستقبل فلذلك أجزأه .
وأما قياسهم على الرمي في أيام منى فغير صحيح ؛ لأنهما مفترقان في الحكم ، لإجماعهم على أن وقت الرمي في أيام منى مخالف للرمي في يوم النحر ؛ لأن الرمي في أيام منى لا يجوز قبل الزوال ، ويجوز في يوم النحر قبل الزوال ، فلذلك جاز في يوم النحر قبل الفجر ، وإن لم يجز في أيام منى قبل الفجر .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ثم ينحر الهدي إن كان معه ثم يحلق أو يقصر ويأكل من لحم هديه ‘ .
قال الماوردي : أما نحر الهدي في يوم النحر فمن أفضل القرب ؛ لرواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ص ) قال : ‘ ما عمل ابن آدم من عملٍ يوم النحر أحب إلى الله من إهراق دمٍ ، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم يقع في الله تعالى بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً ‘ فإذا ثبت هذا فيوم النحر يختص بأربعة أشياء : الرمي ، والنحر ، والحلق ، والطواف ، وترتيب ذلك على ما ذكرنا سنة ، فيبدأ بالرمي ثم بالنحر ثم بالحلق ثم بالطواف قال الله تعالى : ( ثُمَّ لَيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ) ( الحج : 29 ) يعني : الرمي . ( وَلْيُوفُوا نُذُرَهُمْ ) يعني : نحر الهدي ، وقال تعالى : ( وَلاَ تَحْلِقُوا حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وأمر بالحلق بعد نحر الهدي وقال تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ( الحج : 29 ) وروى أنس بن مالك أن النبي ( ص ) رمى جمرة العقبة وذبح ودعا بالحالق فناوله شقه الأيمن فحلقه فأعطاه أبا طلحة ثم أعطاه شقه الأيسر فحلقه ثم قال اقسمه بين الناس .
وقال أبو حنيفة : لا يجزئه وعليه دم ؛ لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ ) ( البقرة : 196 ) ودليلنا رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ( ص ) وقف بمنى ليسأله الناس فأتاه رجلٌ فقال : يا رسول الله حلقت قبل أن ذبحت ، فقال : اذبح ولا