الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص180
أجزأه ، سواء كان قد رمى به أو رمى به غيره وقال طاوس : إن رمى بما قد رمي به مرة لم يجز سواء رمى به هو ، أو رمى غيره به كالماء المستعمل وقال أبو إبراهيم المزني : إن رمى به غيره أجزأه وإن رمى به هو لم يجزه ، وهذا غير صحيح ، لأن رميه به لم يسلبه اسم الحجر المطلق فلم يكن أداء العبادة به مانعاً من أدائها ثانية به كالكسوة ، والإطعام في الكفارات فإن قيل ما الفرق بين هذا حيث أجزتم الرمي به ثانية وبين الماء المستعمل حيث منعتم استعماله ثانية .
قيل الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن استعمال الماء قد سلبه اسم الماء المطلق فلم يجز استعماله والرمي بالأحجار لم يسلبها اسم الأحجار فجاز الرمي بها .
والثاني : أن الماء يستعمل على وجه الإتلاف فلم يجز أن يستعمل ثانية كالعتق في الكفارات .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولو رمى فوقعت حصاة على محملٍ ثم استنت فوقعت في موضع الحصى أجزأه وإن وقعت في ثوب رجل فنفضها لم يجزه ‘ .
قال الماوردي : وأصل هذا أن على رامي الجمار حصول الحصى في الجمار برميه ، فإذا رمى الجمرة بحصاة فوقعت على محمل ، أو حمل ثم استنت فوقعت في الجمرة أجزأه ، لأنها وقعت فيه برميه ، فإن قيل فالسهم المزدلف إذا وقع على الأرض ثم ازدلف فأصاب الهدف لم يعتد به على أحد القولين ، فهلا كان رمي الجمار مثله ؟ قيل : الفرق بينهما : أن المقصود في الرمي حذف الرامي وجودة رميه ، فإذا أصاب الأرض ثم ازدلف إلى الهدف أنبأ ذلك على سوء رميه فلم يعتد به ، والمقصود في رمي الجمار حصول الحصى في الجمرة بفعله فكان ما أصاب الأرض ثم ازدلف بنفسه معتداً به لحصوله بفعله ، فأما إذا رمى بحصاة فأصاب ثوب رجل فنفضها فوقعت في الجمرة لم يجزه ؛ لأن الفعل الثاني قاطع للأول ، فصار الرمي منسوباً إليه ، فلو رمى بها فأصاب عنق بعير فحركه ثم وقعت في الجمرة فلم يعمل هل وقعت بالرمي الأول أو بتحريك البعير فعلى وجهين :
أحدهما : لا يجزئه ؛ لأنه متردد بين أن يكون بفعل الرامي فيجزئ ؛ وبين أن يكون بتحريك البعير فلا يجزئ ، وبالشك لا يسقط ما في ذمته من الرمي .
والوجه الثاني : أنه يجزئه ؛ لأن وجود الفعل الأول متحقق ، وحدوث الفعل الثاني بتحريك البعير مشكوك فيه ، فلم يجز أن يسقط حكم فعل متحقق بفعل مشكوك فيه .