الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص176
بين المغرب والعشاء ، لأن رسول الله ( ص ) أخر صلاة المغرب حتى جمعها مع عشاء الآخرة بمزدلفة كما قدم العصر بعرفة حين صلاها مع الظهر ليتصل له الدعاء ، وقد روى أسامة بن زيد قال لما أفاض رسول الله ( ص ) من عرفة وأتى المزدلفة قلت يا رسول الله : الصلاة ، فقال : ‘ الصلاة أمامك ‘ فسار حتى جاء إلى صخرة في بطن المأزم بين الجبلين في مضيق المأزمين فأناخ رحالته وبال من وراء الصخرة وجئته بإداوة ماءٍ فتوضأ وضوءاً غير كامل ثم قام فقلت يا رسول الله الصلاة فقال : ‘ الصلاة أمامك إلى أن نزل جمعاً ‘ وفي قوله وضوءاً غير كامل تأويلان :
أحدهما : أنه ترك تكراره ثلاثاً .
والثاني : أنه ترك مسنوناته من المضمضة والاستنشاق وتخليل الأصابع ، فإذا ثبت هذا فإن كان الإمام مسافراً قصر وجمع وإن كان مكياً مقيماً أتم وجمع كما قلنا بعرفة فإذا أراد الجمع بينهما فقد قال أبو حنيفة يجمع بينهما بإقامة واحدة استدلالاً برواية عبد الله بن يزيد عن أبي أيوب أن النبي ( ص ) صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة .
ومذهب الشافعي في القديم أنه يجمع بينهما بأذان وإقامتين لرواية جابر أن النبي ( ص ) جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين ، ولم يسبح بينهما واضطجع فبات بها إلى أن طلع الفجر .
ومذهبه في الجديد أنه يجمع بينهما بإقامتين من غير أذان لرواية ابن عمر أن النبي ( ص ) جمع بين المغرب والعشاء بإقامتين ولم يصل بينهما سجدة ، وكلا الخبرين حجة على أبي حنيفة .
ورواية أبي أيوب أنه جمع بينهما بإقامة يعني لكل واحدة منهما ليعلم أنه لم يؤذن لهما فلو صلاهما قبل مزدلفة جامعاً بينهما أو مفرداً لهما أجزأتاه ، ولا قضاء عليه ولا فدية وقال أبو حنيفة : إن جمع بينهما قبل مزدلفة لم يجزه ، وهو قول جابر بن عبد الله ، وهذا غير صحيح ، لأن الجمع بين الظهر والعصر مسنون بعرفة ، كما أن الجمع بين المغرب والعشاء مسنون بمزدلفة ، ثم ثبت أن ترك الجمع بعرفة لا يمنع الإجزاء فوجب أن يكون ترك الجمع بمزدلفة لا يمنع الإجزاء وتحرير ذلك قياساً أنهما صلاتان سن الجمع بينهما في إحداهما فوجب أن لا يمنع جوازهما ترك الجمع بينهما بمكانهما كالجمع بعرفة ، ولأن ما كان وقتاً لصلاة الفرض في غير النسك كان وقتاً لها في النسك قياساً على سائر الأوقات .
فأما قول الشافعي : ‘ ولا يسبح بينهما ‘ يريد أن لا يتنفل بين صلاتي الجمع ، لأن التنفل بينهما يقطع الجمع ولا في إثر واحدة منهما أي لا يتنفل قبل المغرب ولا بعد العشاء ، لأنه مأمور بالتأهب لمناسكه .