پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص173

استدلالاً برواية ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ من أدرك عرفة ليلاً فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة ليلاً فقد فاته الحج ‘ .

والدلالة على صحة ما قلنا رواية عامر عن عروة بن مضرس أنه حج فلم يدرك الناس إلا ليلاً فجمع فانطلق إلى عرفات فأفاض منها ثم رجع إلى جمع فأتى رسول الله ( ص ) فقال : أكلت مطيتي وأتعبت نفسي فهل لي من حج ؟ فقال : من صلى معنا صلاة الغداة بجمعٍ ووقف معنا حتى يفيض وقد أفاض من عرفاتٍ قبل ذلك ليلاً كان أو نهاراً فقد قضى تفثه وتم حجه ولأن النبي ( ص ) قصد الموقف نهاراً وانصرف منه ليلاً فجعل النهار وقتاً للوقوف ، وجعل الليل وقتاً لترك الوقوف ، فعلم أن النهار مقصود ، والليل تبع .

فأما حديث ابن عمر ففيه دليل على إدراك الليل وتنبيه على إدراك النهار ، ولأن حكم آخر الوقت إما أن يكون مثل أوله أو أضعف ولا يجوز أن يكون أقوى منه فلما جعله النبي ( ص ) مدركاً بآخره وهو الليل كان أولى أن يكون مدركاً بأوله وهو النهار .

فإن قيل : فهذا يصح في قوله ‘ من أدرك عرفة ليلاً فقد أدرك الحج ‘ فأما في قوله ‘ ومن فاته عرفة ليلاً فقد فاته الحج ‘ فلا ، قيل يكون دليل أول الكلام تنبيهة يصرف ظاهر آخره إلى دليل أوله .

فصل

: فإذا ثبت ما ذكرنا من تحديد الموقف وزمان الوقوف والقدر الذي يحصل به إدراك الوقوف فيختار أن يستقبل القبلة في وقوفه لقوله ( ص ) ‘ خير المجالس ما استقبل به القبلة ‘ واقتداء برسول الله ( ص ) في وقوفه ، ويجوز أن يقف راكباً ونازلاً ووقوفه راكباً أفضل نص عليه الشافعي في القديم ؛ ولأن رسول الله ( ص ) وقف راكباً ، ولأنه إذا ركب كان أقوى له على الدعاء ، ويكون مفطراً لهذا المعنى ، وأن رسول الله ( ص ) وقف بعرفة مفطراً ، ويكثر من الدعاء ؛ لقوله ( ص ) : ‘ أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ‘ ويكون من دعائه ما رواه عبد الله بن عبيدة عن علي بن أبي طالب عن النبي ( ص ) أنه كان أكثر دعائه عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي قلبي نوراً اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر ومن سيئات الأمور ومن عذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار ومن شر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر ‘ ويستحب أن يكثر من قراءة سورة الحشر فقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، ويجتهد في الدعاء لأنه أعظم الأيام التي ترجى فيها الإجابة ، وروى ابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ص ) قال : ‘ ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة ‘ ويختار للمواقف بعرفة أن يبرز للشمس ويظهر نفسه لها فقد روي أن النبي ( ص ) رأى يوم عرفة رجلاً يطلب الفيافي فقال ( ص ) : ‘ اضح لمن أحرمت له ‘ أي اخرج إلى الشمس ، لأن الشمس