الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص172
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال : سرنا مع رسول الله ( ص ) حتى قدمنا عرفة فقال النبي ( ص ) : ‘ هذه عرفة وكلها موقف إلا وادي عرفة ‘ وروى عبد الله بن صفوان عن خال له قال : كنا في موقف لنا بعرفة فأتانا ابن مربع الأنصاري قال : أنا رسول رسول الله ( ص ) إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم فإذا ثبت أن عرفة هي الموقف فالذي يختار من ذلك أن يقصد نحو الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، وهو موقف الأنبياء صلى الله عليهم والموقف الذي وقف فيه رسول الله ( ص ) هو بين الأجبل الثلاثة وموقفه على الثالث هو الطواف الذي عند السن الذي خلفه مقام الإمام وقف على ضربين من الثالث وجعل بطن ناقته إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه فهذا أحب المواقف إلينا أن يقف فيه الإمام ومن معه من الناس .
قال الشافعي : وحيث وقف الناس من عرفة في جوانبها ونواحيها ومضاربها وجبالها وسهولها وبطنها وأوديتها وسوقها المعروف بذي المجاز أجزأ إذا وقف في الموضع الذي يعرفه العرب بعرفة فأما إذا وقف بغير عرفة من ورائها أو دونها في عرفة عامداً أو ناسياً أو جاهلاً بها لم تجزه وقال مالك يجزئه وعليه دم ، وهذا خطا ؛ لقوله ( ص ) ‘ الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة فقد فاته الحج ‘ .
وقال أحمد بن حنبل : هو من طلوع الفجر من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وليس بصحيح ؛ لما تقدم من حديث جابر عن النبي ( ص ) ، ولما روي أن الحجاج بن يوسف أقام بمكة بعد قتل ابن الزبير ليحج بالناس فكتب إليه عبد الملك بن مروان أن يرجع إلى عبد الله بن عمر فيما يأمر به من سنن الحج قال فلما زالت الشمس ركب عبد الله بن عمر حماراً له جاء على مضرب الحجج وقال أين هذا فخرج الحجاج وعليه ثوبٌ معصفرٌ فقال مالك يا أبا عبد الرحمن فقال إن أردت السنة فالرواح فأشار بذلك إلى ما جاءت به سنة رسول الله ( ص ) وعمل عليه خلفاؤه الراشدون بعده فعلم أن ما قبل الزوال لم تأت به السنة ولا شرعه الرسول ( ص ) .
وقال مالك : إدراك الوقوف بعرفة يعتبر بالليل دون النهار فإن وقف بها ليلاً ونهاراً أجزأه وقوف الليل وكان وقوف النهار تبعاً وإن وقف بها ليلاً أجزأه وإن وقف بها نهاراً لم يجزه