الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص165
قال : ولأنهما نسكان فوجب أن يلزمه طوافان ، كما لو أفردهما .
قال : ولأن العبادتين إنما يتداخلا إذا اتفقتا في الأفعال والأحكام كالحدود وغيرها ، فأما إذا اختلفتا في الأفعال أو الأحكام لم يتداخلا ، والحج والعمرة مختلفان في الأفعال والأحكام فاختلافهما في الأفعال أن في الحج وقوفاً ورمياً ليس في العمرة ، واختلافهما في الأحكام أن للحج إحلالين وللعمرة واحد ، والحلق في الحج متقدم على الطواف والسعي وفي العمرة متأخر فلم يجز أن يتداخلا .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ من جمع حجاً إلى عمرةٍ فليطف لهما طوافاً واحداً ‘ وروى ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ص ) قال لعائشة : ‘ طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئك لحجك وعمرتك ‘ وروى جابر بن عبد الله أن النبي ( ص ) قال : ‘ السعي والطواف تو ‘ . وقد ذكرنا أن أحد تأويله أنهما في الإفراد والقران واحد لا ينافي القران ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم روت عائشة رضي الله عنها وجابر أنهما قالا كنا مع رسول الله ( ص ) في حجة الوداع فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من قرن فأما الذين قرنوا فطافوا طوافاً واحداً وسعوا سعياً واحداً وكان طاوس يحلف بالله أنه ما أحدٌ من أصحاب رسول الله ( ص ) قرن فطاف طوافين ، فثبت أنه إجماع ، ولأنه نسك ، يكتفي فيه بحلاق واحد فوجب أن يكتفي فيه بطواف واحد كالإفراد ، ولأنه فعل يقع في كل واحد من النسكين فوجب أن يكتفي بالفعل الواحد منه مع اجتماع النسكين كالحلاق .
فأما استدلاله بالآية فإتمامها على ما روي عن عمر وعلي أن يحرم بهما من دويرة أهله .
وأما حديث عمران بن الحصين فمحمول على المتمتع الذي قد جمع بينهما بإحرامين .
وأما حديث علي فغير ثابت ؛ لأن رسول الله ( ص ) كان مفرداً ولم يكن قارناً ، وقد تقدمت الدلالة عليه وأما قياسهم على من أفردهما ، فالمعنى فيه أنه يفتقر إلى حلاقين فكذلك ما افتقر إلى طوافين ولما كان على القارن حلاق واحد كان عليه طواف واحد .
وأما قولهم إن اختلاف العبادتين يمنع من تداخلهما ، وإنما يتداخل ما اتفقا .
قيل : صحيح إنما يتداخل منهما ما اتفق دون ما اختلف وهو الطواف والسعي الموافق للطواف والسعي دون ما اختلف من الوقوف والرمي .
فإن قيل : فإنهما وإن اتفقا في الفعل فهما مختلفان في الحكم .