الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص163
وقال أبو حنيفة إمرار الموسى على رأسه واجب عليه ؛ لقوله تعالى : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِرِينَ ) ( الفتح : 27 ) فعلق الحلق بالرأس فلم يسقطه ذهاب الشعر ، وهذا غلط لأمرين :
أحدهما : إن الحكم متعلق بالشعر دون الرأس بدليل أنه لو كان على رأسه شعر فأمر الموسى على رأسه من غير حلق الشعر لم يجزه ، ولو أزال الشعر من غير إمرار الموسى على رأسه أجزأه ، وإذا كان حكم الحلق متعلقاً بالشعر سقط الحكم بزوال الشعر ، كالأقطع الذراع يسقط عنه الغسل لزوال العضو الذي تعلق به الغسل .
وتحريره قياساً أنه فرض يتعلق بجزء من بدنه فوجب أن يكون عدم الجزء مسقطاً لفرضه كأعضاء الوضوء .
والثاني : أن حكم الحلق يتعلق بوجود الاسم ، ولا يسمى حالقاً بإمرار الموسى على رأسه من غير حلق الشعر ، بدليل أنه لو حلق لا يحلق رأسه فأمر الموسى على رأسه لم يحنث ، وإذا انتفى عنه اسم الحلق انتفى عنه حكم الحلق ، فإذا ثبت أن ذلك لا يجب عليه فيستحب له وإن لم يجب عليه ، لكن إن كان شعر خفي أو زغب غير طاهر أزاله ويستحب أن يأخذ من شعر لحيته وشاربه ، وإن لم يجب عليه ، كما يستحب للأقطع اليد من المرفق أن يمس موضعه بالماء ، وإن لم يجب عليه ليكون خلقاً مما فات ، ومنع ابن داود من ذلك لأن النبي ( ص ) أمر بإعفاء اللحية ، والدلالة عليه رواية ابن عمر أن النبي ( ص ) أمر الحالق أن يأخذ من لحيته طولاً وعرضاً ، فلو كان على رأسه شعرة واحدة أو زغبه طاهر لزمه حلقه كما لو كان شعره باقياً .
والفرق بينهما واضح ، وهو أن فرض المسح متعلق بالرأس فلم يجز فيما خرج عن حد الرأس ، لأنه ليس برأس ، وحكم الحلق متعلق بشعر الرأس فجاز فيما خرج عن حد الرأس ؛ لأنه من شعر الرأس ، وأقل ما يجزئه في الحلق والتقصير أن يحلق أو يقصر ثلاث شعرات فصاعداً ، فأما دون الثلاث فلا يجزئه لأن اسم الجمع المطلق لا ينطلق عليه .