الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص141
قال الماوردي : أما الرمل فهو الخبب ، فوق المشي ودون السعي ، فإذا أراد الطواف ، فمن السنة أن يرمل في ثلاثة أطواف لا يفصل بينها بوقوف ، إلا أن يقف على استلام الركنين ، ويمشي في أربعة أطواف . والدلالة على هذا رواية ابن جريج عن عطاء أن رسول الله ( ص ) رمل من سبعة ثلاثة أطواف خبباً ليس بينهن مشي ، ثم كذا أبو بكر عام حجه إذ بعثه رسول الله ( ص ) ، ثم عمر وعثمان والخلفاء كانوا يسعون ، كذلك روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال فيم الرملات ، ولا أرى أحداً أرانيه ؟ ومع هذا فما ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ( ص ) . ثم الرمل والاضطباع قريبان يفعلان في الطواف الذي يعقبه السعي ، فإن ترك الرمل لعلة به اضطبع ، وإن ترك الاضطباع لجرح به رمل ، وإن تركهما في طواف القدوم عامداً أو ناسياً أجزأه طوافه وسعيه ، ولا دم عليه ؛ لأنه هبة ، والاضطباع والرمل في الحج ، والعمرة ، والقران ، وقيل : عرفة وبعدها ، سواء فأما الطواف الذي لا يسعى بعده ، فإنه يمشي فيه على هيئة ، من سعي ورمل . وروي عن ابن عباس قال : أسعد الناس بهذا الطواف قريش ، وأهل مكة ، وذلك أنهم ألين الناس فيه مناكب وأنهم يمشون التؤدة . قال الشافعي : والدنو من البيت أحب إليّ لأن رسول الله ( ص ) كان أقرب أصحابه إلى البيت ولأن المقصود بالطواف البيت ، فإذا كان أقرب إلى المقصود كان أولى .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن الرمل مسنون ، والدنو من البيت مستحب ، فإذا أمكنه الرمل والدنو من البيت فعلهما معاً ، وإن لم يمكنه الرمل مع دنوه من البيت فله حالان :
أحدهما : أن يعلم أنه إن وقف يسيراً وجد فرجة وأمكنه الرمل من غير أن يستضر بوقوفه الطواف ، فالأولى أن يقف ولا يثب من الأرض في وقوفه ؛ لأنه لم يفعله أحد يقتدى به .
والثاني : أن يعلم أنه إن وقف لم يجد فرجة أو علم أنه يجد فرجة لكن إن وقف استضر بوقوفه الطواف ، فهذا يبعد من البيت ، ويصير في حاشية الطواف ليرمل ، لأن الرمل أوكد من الدنو من البيت وإنما كان الرمل أوكد لأنه سنة والدنو فضيلة والسنة أوكد من الفضيلة ، ولأن الرمل من هيئاته الطواف المقصودة وليس الدنو من البيت من هيئته ، فإن علم أنه إن صار إلى حاشية الطواف منعه كثرة النساء فهذا يدنو من البيت ويدرك الرمل لتعذره لأن مخالطة النساء مكروهة .