الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص128
رضي الله عنه أنه كان يحتزم لإحرامه . وروي أن رجلاً سأل عائشة رضي الله عنها عن المحرم هل يشد الهميان على وسطه ؟ فقالت : نعم ويستوثق من نفقته . وروي عن ابن عباس مثله . وليس يعرف لهم في الصحابة مخالف ، فكان إجماعاً ، ولأن ما منع المحرم من لباسه ، وجبت الفدية فيه ، فما لم تجب الفدية فيه ، لم يكن ممنوعاً منه ، وأما الخبر فمرسل ، وإن صح كان محمولاً على الاستحباب .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، يجوز للمحرم أن يستظل سائراً ونازلاً ، وقال مالك يجوز للمحرم أن يستظل نازلاً ، ولا يجوز أن يستظل سائراً ، لما روي أن رسول الله ( ص ) رأى رجلاً يطلب الفيافي والظل فقال له النبي ( ص ) أضح لمن أحرمت له أي اخرج إلى الشمس لأن الضح الشمس ، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية يحيى بن الحصين عن أم الحصين قالت : حججت مع رسول الله ( ص ) حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ( ص ) والآخر يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ، وقد روي عن طائفة من الأنصار من الحمس من قريش أنهم كانوا يشددون في ذلك أول الإسلام ، حتى كانوا إذا أرادوا دخول دار أتوا الجدار ولم يدخلوا الباب ، ويرون ذلك عبادة وبراً فأنزل الله تعالى : ( وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا ) ( البقرة : 189 ) فكانت الإباحة في ذلك عامة ، لأن المسلمين قديماً في العصر الأول وفيما يليه من الأعصار لم يزالوا يحرمون وهم في العماريات والقباب ، لا يتناكرون ذلك ولا ينكر عليهم ، فثبت أنه إجماع أهل الأعصار ، ولأن كل ما جاز أن يستظل به المحرم نازلاً جاز أن يستظل به سائراً كاليدين ، فأما قوله : ‘ أضح لمن أحرمت له ‘ ، ففيه جوابان :
أحدهما : أنه نهاه عن تغطية رأسه ، ولم ينهه عن الاستظلال .
والثاني : أن ذلك محمول على طريق الاستحباب ، لما روي أنه ( ص ) ضربت له قبة ببطن نمرةٍ فدخلها واستظل ، وروي أنه لما وافى عرفة أقام في لحف الجبل