پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص106

والتقليم ؛ ولأن النسيان عذر ، والعذر إنما يبيح الفعل ولا يسقط الفدية ، كالمعذور في الطيب ، واللباس ، إذا اضطر إليه .

والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه قوله ( ص ) : ‘ عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‘ . وروى عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال : ‘ رأى رسول الله ( ص ) رجلاً بالجعرانة ، وعليه جبة متضمخ بالخلوق ، وهو تصفر لحيته ورأسه ، فقال يا رسول الله : إني أحرمت بعمرةٍ ، وأنا كما ترى فقال : اغسل الصفرة ، وانزع عنك الجبة ، وما كنت صانعاً في حجك ، فاصنع في عمرتك ‘ . فلما أمره بنزع الجبة ، وغسل الصفرة ، وسكت عن الفدية ، دل على أن سكوته عنها ، سكوت إسقاط ، لا سكوت اكتفاء ؛ لأنه بين له حكم فعل هو به جاهل .

فإن قيل : إنما كان هذا قبل تحريم الطيب ، واللباس ؛ لأن الأعرابي حين سأله عن ذلك وقف ينتظر القضاء ، حتى نزل عليه الوحي ، فدعاه وقال له : اغسل الصفرة ، وانزع الجبة .

وقيل : هذا التأويل غير صحيح ؛ لأنه النبي ( ص ) أمره بنزع الجبة وغسل الصفرة ، وفعل ذلك غير واجب قبل نزول التحريم ، على أن إنكاره ذلك من نفسه ، واختيار النبي ( ص ) ، وسؤاله عن حكمه ، وما روي من إسرار الصحابة به ، دليل على تقديم تحرمه .

فإن قيل : – وهو سؤال المزني – : ليس سكوت النبي ( ص ) عن الفدية دليلاً على أنها غير واجبة ، كما لم يكن سكوته عن إيجاب القضاء على الواطئ في شهر رمضان ، دليلاً على أن القضاء غير واجب .

قيل : لو تركنا سكوت النبي ( ص ) على إيجاب القضاء على الواطئ دل على أن القضاء غير واجب كالفدية ها هنا ، ولكن ثبت بالدليل إيجاب القضاء عليه ، من قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر ) ( البقرة : 184 ) على أنه قد روي في بعض الأخبار أنه قال للواطئ : ‘ واقض يوماً مكانه ‘ . ولأنها عبادة تجب في إفسادها الكفارة ، فوجب أن يفرق فيها بين عمد الاستمتاع ، وسهوه ، كالأكل ، والوطء في رمضان ، فأما قياسهم على الواطئ في الحج ناسياً قلنا : فيه قولان :

أحدهما : لا شيء عليه فعلى هذا يسقط سؤالهم .

والثاني : عليه الفدية . فعلى هذا المعنى فيه أنه يجري مجرى الإتلاف ؛ لأن وطء المجنون ، كوطء العاقل في لزوم المهر ، والطيب استمتاع محض .

وأما قياسهم على الحلق والتقليم ، فالمعنى فيه : أنه إتلاف . وحكم الإتلاف أغلظ من حكم الاستمتاع ، فاستوى حكم ، عمده وسهوه ؛ لغلظ حكمه ، وفرق بين عمد الاستمتاع وسهوه ؛ لحقة حكمه .