الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص104
وإن قلنا بقوله في القديم : إن عليه لجميع ذلك فدية واحدة ، فعلى هذا . لا يخلوا حال هذه الأفعال من أحد أمرين : إما أن تتفق أسبابها ، أو تختلف ، فإن اتفقت أسبابها كأن لبس هذه اللبسات كلها لأجل البرد ، أو لأجل الحر ، فتكون عليه فدية واحدة ، وإن اختلفت أسبابها ، فلبس قميصاً لأجل الحر وعمامة ، لجراحة برأسه ، وخفين لأجل الحفاء ، فعلى وجهين :
أحدهما : عليه فدية واحدة لجميعها كالأسباب المتفقة .
والثاني : عليه لكل واحدة فدية ؛ لأن اختلاف الأسباب كاختلاف الأجناس والله أعلم .
قال الماوردي : أما المحرم فممنوع من حلق رأسه لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ( البقرة : 196 ) . فإن قيل : لما منع الله سبحانه المحرم من حلق رأسه ؟
قيل لمصلحة علمها ، وإن لم يعقل معناها ، ويجوز أن يكون ليتذكر بطول شعره ، وشعث بدنه ، ما هو عليه من إحرامه ، فيمنع من الوطئ ودواعيه .
وقيل : إنما نهى عن حلقه ؛ لأنه يكون محرماً بشعره ، ولذلك يقول عند إحرامه أحرم لك شعري ، وبشري ، ولحمي ، وعظمي ، ودمي .
فإن قيل : ما الأولى للرجل إذا أراد الإحرام أن يحلق شعره أو يلبده ولا يمسه .
قيل : يجوز أن يحلقه ، والأولى أن يلبده ولا يمسه ويعقصه كما فعل رسول الله ( ص ) في حجه ، وإن حلق قبل إحرامه ، ولم يلبد ، كان له إذا حل أن يحلق أو يقصر ، وإن لبده وعقصه ، فعلى قولين :
أحدهما : وهو قوله في القديم : عليه أن يحلق ، ولا يقصر ، وذلك فائدة التلبيد ، والإطالة .
والثاني : وهو قوله في الجديد – وهو الصحيح – أنه إن شاء حلق ، وإن شاء قصر ، لعموم قوله تعالى : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِرِينَ ) ( الفتح : 27 ) .