پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص73

فصل

‘ فإذا ثبت أن إحرامه ينعقد ، فإن مضى في حجه ولم يعد إلى ميقاته ، فعليه دم لمجاوزة ميقاته وهو إجماع الفقهاء سوى من تقدم خلافه وإن عاد إلى ميقاته قبل التلبس بشيء من أفعال حجه ، فقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة مذاهب :

أحدها : وهو مذهب الشافعي ، أنه لا دم عليه . واختلف أصحابنا في العبارة عنه ، فقال بعضهم : قد كان واجب عليه الدم لمجاوزته ، ويسقط عنه بعوده . وقال آخرون : لم يكن قد وجب عليه فيسقط ، وإنما يجب بفوات العود ، وهذا أصح ، وبمذهبنا قال أبو يوسف ومحمد : والمذهب الثاني أن عليه دماً سواء عاد أو لم يعد ، وبه قال مالك وزفر . والمذهب الثالث ؛ أنه إن عاد إلى ميقاته ملبياً ، فلا دم عليه ، وإن عاد ولم يلب فعليه دم ، وبه قال أبو حنيفة ، والكلام في هذه المسألة مع مالك وزفر ، فأما أبو حنيفة فالكلام معه في وجوب التلبية ، وله موضع ، فمن حجة مالك ، ما روي عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ من ترك نسكاً فعليه دم ‘ ، وهذا تارك نسك ، فوجب أن يلزمه دم .

قال : ولأنه دم وجب لمجاوزة الميقات ، فوجب أن لا يسقط بالعود إلى الميقات ، كالعود بعد الطواف .

قال : ولأن دم مجاوزة الميقات كدم الطيب واللباس ، ثم ثبت أن دم الطيب لا يسقط لغسله ، ودم اللباس لا يسقط لخلعه ، فكذلك دم الميقات لا يسقط بعوده .

قال : ولأن وجوب الدم بمجاوزة الميقات جبران كسجود السهو في الصلاة ، ثم ثبت أنه لو ترك التشهد الأول فلزمه سجود السهو ثم عاد إليه لم يسقط عنه السهو ، فكذلك إذا جاوز الميقات فلزمه الدم ثم عاد إليه ، لم يسقط عند الدم ، ولأن ضمان الوديعة يجب بالتعدي فيها ، كما أن دم الميقات يجب بمجاوزته ثم ثبت أنه لو كف عن التعدي لم يسقط عنه الضمان ، فكذلك إذا عاد إلى الميقات لم يسقط عنه الدم ، والدلالة على أن لا دم عليه هو أن المأخوذ عليه حصوله بالميقات محرماً ، ولم يؤخذ عليه الإحرام من ميقاته مبتدأ ، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله أجزأه وقد حصل منه ما أخذ عليه ، فنقول : لأنه حصل محرماً في ميقاته قبل التلبس بشيء من أفعال حجه ، فوجب أن لا يلزمه دم لأجله ، قياساً عليه إذا ابتدأ إحرامه من دويرة أهله ، ولأن دم مجاوزة الميقات ، إنما وجب لأجل التفرقة بترك الإحرام من الميقات ، وأنه أحل بقطع مسافة كان يلزمه قطعها بالإحرام ، وهو إذا أحرم دون الميقات ثم عاد إليه محرماً ، لم يكن بترك الإحرام مترفهاً ، بل زاد نفسه مشقة ، وصار كمن أحرم من دويرة أهله ، فوجب أن لا يلزمه الدم ، لعدم موجبه ، ولأن من يجاوز الميقات ، ثم عاد إليه مُحلاً فأحرم منه مبتدئاً ، لم يلزمه عليه الدم وفاقاً فلأن لا يلزم الدم من عاد إليه