پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص72

والضرب الثاني : أن يكونا إليه سواء ، وأحدهما أبعد من الحرم ففيه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : أنه يتوخى في الذي هو أبعد من الحرم لما فيه من الاحتياط وكثرة العمل .

والوجه الثاني : وهو الصحيح ، وبه قال جمهور أصحابنا : إنه مخير فيهما يتوخى في أيهما يشاء ، لأن حكم الميقاتين واحد ، وإن كان أحدهما أبعد من الآخر ، فوجب أن يكون حكم اجتهاده فيهما واحداً ، وإن كان أحدهما أبعد ، والله أعلم .

مسألة

: قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولو أتى على ميقات لا يريد حجاً ولا عمرةً ، فجاوزه ثم بدا له أن يحرم ، أحرم منه ، وذلك ميقاته ‘ .

قال الماوردي : هذا صحيح ، وجملة ذلك ، أن من مر ميقات بلده لم يخل حاله من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يريد الإحرام بنسك من حج أو عمرة .

والثاني : أن لا يريد الإحرام بنسك ولكن يريد دخول مكة .

والثالث : أن لا يريد الإحرام بنسك ولا يريد دخول مكة فأما القسم الأول وهو أن يريد الإحرام بنسك من حج أو عمرة ، فواجب عليه أن يحرم به من ميقات بلده ، وهو قول الجماعة إلا الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، فإنهما قالا : الإحرام من الميقات مستحب وليس بواجب ، ومن تركه فلا شيء عليه ، وهذا مذهب شاذ واضح الفساد ، يبطل بما تقدم ذكره من أمر رسول الله ( ص ) وفعله ؛ لأن الإحرام ركن لا يصح الحج إلا به ، وأركان الحج مقدرة بالشرع ، والشرع قد ورد بتقدير الإحرام في الميقات ، فدل على وجوبه لتقدير الإحرام به .

فصل

: فإذا ثبت أن الإحرام من الميقات واجب ، فعليه إذا جاوزه غير محرم أن يعود إليه فيحرم منه ، فإن عاد إليه ، فابتداء إحرامه منه أجزأه ، ولا دم عليه بإجماع ، وإن أحرم بعده ولم يبدأ بالإحرام منه ، فإحرامه منعقد ، وحجه تام على قول الفقهاء ، وقال سعيد بن جبير : لا إحرام له ولا حج ، إلحاقاً بإحرام الصلاة إذا وقع فاسداً لم تنعقد به الصلاة ، وهذا غلط ، وكفى بإلحاقه بالصلاة حجة ، وذلك أن الإحرام بالحج ينعقد لمجرد النية ، كما أن الصلاة تنعقد بالتكبير مع النية ، والميقات في الحج كالوقت للصلاة ، ثم ثبت أنه لو أحرم بالصلاة بعد خروج وقتها لم يبطل إحرامه ، فكذلك إذا أحرم بالحج بعد مجاوزة ميقاته لم يبطل إحرامه .